جمال الجلاصي: مهما قل تأثيرها فالزنوجة طاقة فكرية لا تموت

تونس - ماذا بقي من الزنوجة اليوم؟ هل مازال أدب الزنوجة يجلب اهتمام القراء؟ وأي دور لهذا الأدب اليوم في النهوض بالمجتمعات؟ عن هذه التساؤلات وغيرها في علاقة بالأدب الأفريقي تحدث الشاعر والروائي والمترجم التونسي جمال الجلاصي في مداخلة عن “الزنوجة والأدب”، قدمها الثلاثاء ضمن فعاليات اليوم الثقافي السنغالي التي أقيمت بجناح وزارة الشؤون الثقافية في رحاب قصر المعارض بالكرم، في إطار الدورة الثامنة والثلاثين من معرض تونس الدولي للكتاب الذي يقام من التاسع عشر إلى الثامن والعشرين من أبريل الجاري.
جمال الجلاصي، “مهرب الأرواح”، الذي خصص أغلب ترجماته لترجمة الأدب الأفريقي إلى اللغة العربية، تحدث مطولا في مداخلته عن مؤسّسيْ هذا الأدب وهما ليوبولد سيدار سنغور وإيمي سيزار. وقال في تصريح له على هامش الندوة "صحيح أن الزنوجة بدأ يقل تأثيرها ولكن مع ذلك مازال هناك من يؤمنون بها كمدرسة وطاقة فكرية".
وبين أن “الزنوجة كما حملت لواء النضال الوطني من أجل التحرر من الاستعمار، قادرة كفكر وفلسفة على المساهمة في نهضة الشعوب الأفريقية وتحقيق استقلالها الاقتصادي والفكري وتحقيق العدالة داخل البلدان الأفريقية”. واعتبر أن العدو اليوم لم يعد خارجيا بقدر ما هو داخلي، قائلا “العدو اليوم هو الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وهو أيضا غياب المساواة بين الجنسين وغياب الديمقراطية”، مبينا أن كل هذه القضايا يمكن للزنوجة أن تتحدث عنها.
وحول مدى إقبال القارئ التونسي اليوم على هذا النوع من الكتابة التي ارتبطت في أذهان البعض بحركات التحرر، أكد جمال الجلاصي أن القارئ العربي متعطش إلى الأدب الأفريقي لا فقط القارئ التونسي. وأضاف “صدرت لي عدة ترجمات في دور نشر خليجية ولاحظت وجود إقبال كبير من قبل القارئ العربي عموما لا فقط التونسي وذلك لأن القارئ يجد فيها بعضا من ذاته”.
وبين أن “الأدب السنغالي مثلا فيه جزء كبير من القيم الإسلامية المشتركة بيننا، فضلا عن قيم مشتركة يدافع عنها الكتاب الأفارقة فهم يحملون نفس أحلامنا وهواجسنا والتوق نحو الحرية وتحقيق المساواة. فمن بين أدوارهم نقد الواقع من أجل تغييره وهذا ما يشد القارئ أينما كان”. ويعتبر الجلاصي أن مشروعه في الترجمة هو رافد من روافد مشروعه السردي، فهو لا يترجم تحت توصية، فقط يترجم ما يقنعه.
وسبق له أن صرح لـ”العرب” قائلا حول نظرته إلى الترجمة “سيظل المترجمون خيول التّنوير، وستظل التّرجمة دبلوماسيّة الحضارات، والمترجمون هم مهربو أرواح إخوتهم البعيدين. فالتّرجمة هي التي تخرج الإبداع من ضيق أنهار اللّغات إلى محيط التّواصل الإنساني الرّحب. كان وسيظل هناك مرتزقة وسيظل هناك صانعو أجنحة ومترجمون هواة يفتحون لنا آفاقا أخرى عبر تهريب النّصوص الإنسانيّة، وهي في الحقيقة لمسة شكر لمبدعين أحببناهم واستضفناهم في حضارتنا ليس عبر تحويلهم إلى لغتنا، بل عبر تطويع لغتنا لكي تكون وعاء لأرواحهم وأفكارهم”.
ويبقى اهتمام الجلاصي بأدب الزنوجة نظير ما قدمه الأخير للأدب الإنساني من نفس جديد يقوم على دفع التحرر وتحفيز الشعوب على تحقيق إرادتها الحرة، وهو ما كرسه الأدب الأفريقي بشكل كبير، علاوة على إعادته الاعتبار للمخزون الثقافي والحضاري للقارة الأفريقية، وتثمينه والتعريف به، وأخذ أدباء عديدون ذلك على عاتقهم ليس آخرهم سوينكا أو سيزار أو سنغور وغيرهم، فحققوا حضورا بارزا لآداب أفريقيا.
وجدير بالذكر أن الشاعر والروائي والمترجم جمال الجلاصي ترجم الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الكبير، أول رئيس للسنغال، ليوبولد سيدار سنغور “الزنوجة”، كما ترجم رواية “إضراب الشحاذين” لأميناتا ساو فال، وهي من روائع الأدب السنغالي، فضلا عن ترجمته للعديد من الأعمال الأدبية الأخرى التي أثبت من خلالها مجددا أن المترجمين “خيول التنوير”.
بدايات جمال الجلاصي الذي نحار في تصنيفه شاعرا أو روائيا، قاصا أو مترجما، كانت من القصة القصيرة حيث نشر أولى قصصه في جريدة “الأيام” التي كان يرأس إدارة تحريرها روحي رباح وكذلك في صحيفة “الصدى”، حين كانت الصحف والمجلات تمثل منبرا للأدباء الشبان في تونس، ومن هناك انطلق ليؤسس تجربة أدبية مميزة في الكتابة الروائية والترجمة وكتابة الشعر، دون أن يغلب جزء منه على غيره.