جماعة الإخوان الأم تنكفئ على ذاتها بانتظار مآلات الأزمة في الأردن

جماعة الإخوان المسلمين الأم، على خلاف الجمعية “الفتية” تفضل التزام الصمت حاليا حيال ما يحدث في الأردن في رسالة ضمنية تروم من ورائها ترميم الثقة المهزوزة مع الحكومة، وأيضا انتظار ومراقبة الأوضاع إلى حين اتضاح مآلات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها المملكة.
عمان - يطرح صمت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، وتركها حرية الموقف لكتلتها النيابية “الإصلاح” حيال الأزمة المركبة التي يعيش على وقعها الأردن الكثير من التساؤلات خاصة وأنه في الماضي القريب لا يكاد يمر حدث دون أن تسجل حضورها ببيان على أقل تقدير.
واقتصرت مواقف الجماعة في الفترة الأخيرة على التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى، حتى أنها دعت إلى النفير العام، ما أثار سخرية وتهكم الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعرب نشطاء عن غضبهم من السياسة النفعية التي تحرك قيادة الجماعة، ورأى كثيرون أن انكفاء الإخوان عن المشهد الداخلي وعدم إبدائهم لأي موقف سلبا أو إيجابا تجاه الأحداث التي يشهدها الأردن يعكسان فرضيتين: إما الجماعة مغيبة تماما عن واقع البلاد في ظل انشغالها بصراعاتها الداخلية وإما أنها تنتظر مآلات الأمور لتبني على الشيء ومقتضاه، وهو الأقرب، وفق تعبير بعضهم.
وشهد الأردن في الفترة الأخيرة جملة من الأحداث المثيرة من بينها التعيينات التي قامت بها حكومة عمر الرزاز في مناصب عليا في الدولة والتي أثارت موجة استنكار واسعة، اضطرت معها الأخيرة للتراجع عنها، وأيضا الحراك الشعبي الذي استؤنف في ديسمبر الماضي ليتخذ في الشهرين الأخيرين أشكالا مختلفة، أبرزها الاعتصام المستمر منذ نحو 22 يوما أمام الديوان الملكي لمعطلين عن العمل، أتوا في مسيرات راجلة من المناطق الطرفية وخاصة من الجنوب. وتقول دوائر سياسية إن صمت الجماعة الأم يعود لعدم رغبتها في الدخول في مواجهة غير قادرة عليها مع الحكومة حاليا، خاصة وأن سيناريو حراك 2011 ما يزال ماثلا في الأذهان، حين قررت الجماعة الخروج عن سياستها المعهودة المهادنة للدولة والالتحاق بركب الحراك الذي استلهم من احتجاجات شهدتها عدة أقطار عربية آنذاك قبل أن تقرر تصدره على أمل أن تنتزع مكانا مؤثرا في السلطة، ولكن ذلك الحراك سرعان ما نجحت الدولة في احتوائه عبر إعلان جملة من الإصلاحات لتجد الجماعة نفسها في موقف صعب جدا.
مواقف الجماعة في الفترة الأخيرة اقتصرت على التنديد بالانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للمسجد الأقصى، ما أثار تهكم الأردنيين
وكلف هذا الأمر جماعة الإخوان غاليا لجهة الانشقاقات المتتالية التي عصفت بها والتي حملت قيادتها الصقورية آنذاك مسؤوليتها لحكومة عبدالله النسور، خاصة حينما قررت الأخيرة منح ثلة من قيادات الإخوان المنشقين بزعامة المراقب السابق عبدالمجيد ذنيبات في العام 2015 ترخيصا لتكوين جمعية سياسية، في خطوة نزعت عن الجماعة الأم الصبغة القانونية لوجودها.
ويرى مراقبون أن الجماعة وبعد الضربات التي تلقتها عمدت إلى الانحناء أمام العاصفة ومحاولة التقرب مجددا من السلطة، التي لا تبدو راغبة في إنهاء وجودها أو حظرها رغم رفع الغطاء القانوني عنها، فكان أن شاركت الجماعة في الانتخابات البلدية ثم النيابية، بمباركة ضمنية من الدولة.
ويوضح المراقبون أن السلطة الأردنية لا تتبنى نهج القطع كليا مع الجماعة الأم لعدة اعتبارات لعل أهمها أنها القوة السياسية الأكثر تنظيما وانضباطا رغم الانشقاقات التي تعرضت لها وهي تحظى بدعم مهم من قوى إقليمية، فضلا عن كون جمعية الإخوان الفتية لا يمكن الرهان عليها عمليا في ملء الفراغ حيث إنها لم تنجح في إقناع قواعد الجماعة بأنها الممثل الحقيقي لهم.
وفيما بدا محاولة للفت النظر على أنها قوة فاعلة ولها موقف مما يحدث في البلاد أطلت جمعية الإخوان الأربعاء ببيان قدمت فيه رؤيتها وتصورها للحكومة لإنهاء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي حذرت من أن استمرارها قد يقود إلى نقطة اللاعودة.
ومن مطالب جمعية الإخوان التي ضمنتها في بيانها هو “ضرورة الإسراع بإحداث انفراجة سياسية تبدأ بتقديم قانون انتخاب عصري، يتيح الفرصة للأحزاب والقوى الوطنية ذات البرامج الوصول إلى أغلبية برلمانية، وصولا إلى حكومات برلمانية لخدمة الناس والتعبير عن نبض الشارع الحقيقي”.

ودعت الجمعية إلى إحداث ثورة بيضاء وإصلاح شامل ومكافحة جادة للفساد الإداري والمالي، ومحاسبة حازمة للفاسدين مهما كانت صفتهم، دون انتقاء أو محاباة لأي أحد، فالأمر جد خطير.
وطالبت بعقد مؤتمر وطني جاد يشترك فيه قيادات الرأي، من حكومة ونواب وأعيان، وأحزاب ونقابات، واتحادات طلابية ووجهاء العشائر، والشخصيات الوطنية المستقلة، للخروج بخطة إصلاح وخارطة طريق.
ولا يرجح محللون أن تقتدي الجماعة الأم بالجمعية الفتية، حيث إنها ترى أن إبداء أي موقف حاليا لن يكون في صالحها، وأن الصمت هو الخيار الأفضل فذلك سيجعلها تستعيد جزءا من الثقة المفقودة مع الدولة، ومن جهة أخرى في حال اتخذت الأمور منحى تصاعديا عندها تكون مستعدة لتلقف ذلك التطور وركوب الحدث، وهذه استراتيجية لطالما برع الإخوان فيها، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة في العالم العربي وليس أدل على ذلك من حركة النهضة التونسية. ويشير المحللون إلى أن موقف القوى الإقليمية الداعمة لها يبقى محددا لتحركها، واليوم ليس هناك انسجام في موقف هاته القوى مما يجري في الأردن وخاصة تركيا وقطر، فالدوحة على سبيل المثال وإن كانت تريد الضغط على الأردن الرسمي لمزيد الانفتاح عليها في مواجهة العزلة العربية التي تتعرض لها إلا أنها تبدو حذرة في التعاطي مع الأزمة الداخلية لهذا البلد، في المقابل فإن تركيا تريد أن يلعب الإخوان دورا متقدما في المشهد الحالي.
ويشهد الأردن أزمة اقتصادية متفاقمة، تبدو حكومة الرزاز عاجزة عن احتوائها في ظل غياب استراتيجية واضحة، وعدم التفاعل المطلوب من قبل المجتمع الدولي. وتثير هذه الأزمة مخاوف من تكرار سيناريو مايو الماضي، حينما عمت احتجاجات غير مسبوقة محافظات الأردن وخاصة العاصمة عمّان.