جفاء وخطايا طبية

حمارتا السلطتين الفلسطينيتين لا تبشران بالخير على أيّ مستوى، بل إن نهيق كل منهما، يشكك في المستشفيات ذات الأسماء المفخمة، وفي السياسة ذات العبارات المنمقة.
الأحد 2021/12/05
عمليات الولادة الفاشلة لا تستدعي المحاسبة

بائعو الكلام من السلطات الأمنية والسياسية الفلسطينية لم يفلحوا على مرّ السنوات في رفع مستوى الخدمات العلاجية في بلادهم، على الرغم من علوّ شأنهم في منطوق لغتهم التي لا يسمعها أحد غيرهم، عن السيطرة والاقتدار. وبدل أن يرتفع مستواهم قيد أنملة، هبطوا إلى المستوى الذي تتكرر فيه وفيات الولادة، إن كان بسبب فساد إجراءات التوظيف أو بسبب التنصّل من أبسط تدابير الحماية وموجبات الحذر، وأقل ضرورات اختبار مستوى الذين يعملون في أقسام المستشفيات.

في خان يونس، قبل خمسين سنة وأكثر، كانت القابلة المرحومة "أم قاصد" تربط حمارها وتدخل بيت المرأة التي يأتيها طلق الولادة، فتؤدي عملها في كل مرة بإتقان، حتى أصبح ظهور حمارة "أم قاصد" على باب البيت، طقس بشارة.

وفي خان يونس نفسها، والناس على أبواب سنة 2022 تدخل من يجيئها الطلق إلى مستشفى ولادة؛ فتنحبس الأنفاس، وقد تكرر حدوث الخطايا في أقسام التوليد، علماً بأنها من أبسط العمليات الطبية. ومعلوم أن السلطات الظافرة المعجبة والمزهوة بنفسها، وما تُعتبر أيقونة "الإخوان" وجغرافيّتهم الوحيدة على ضآلتها، فشلت في التقدم خطوة تنموية في القطاع الصحي، لا أفقياً ولا رأسياً. وكلما ازدادت خيبة على صعيد؛ ازداد خطابها غروراً حتى توهمت أنها احتلت مساحات العنفوان مقابل الفخامة والحنكة السياسية عند خصمها السياسي التائه. والكثير من خطايا المستشفيات طال المرضى الذين كانوا في حاجة إلى أبسط التدابير المعمول بها في أنظمة الطوارئ في مستشفيات الصومال. ويحدث ذلك بينما الفلسطينيون لديهم من الأطباء الألمعيين، ما تزهو بهم مستشفيات الدول المتقدمة.

حمارتا السلطتين الفلسطينيتين لا تبشران بالخير على أيّ مستوى، بل إن نهيق كل منهما، يشكك في المستشفيات ذات الأسماء المفخمة، وفي السياسة ذات العبارات المنمقة، وفي الفخامة التي تعيب على الآخرين بللهم، وهي تغوص في الوحل...

كانت السيدة ابتهال، قد أدخلت إلى قسم الولادة في مستشفى ناصر في خان يونس. وقوبلت هناك بالاستهتار وعدم الاهتمام وتُرِكَت لعدة ساعات متواصلة دون مرور الطبيب المناوب، إذ لا توصية من "مُهم" للعناية بامرأة "مهمة". وعندما تفاقمت حالتها أُخضِعتْ لعملية قيصرية. فقد أصابها نزيف حاد، استدعى إعطاءها 20 وحدة دم، وإخضاعها لعملية جراحية أخرى، مع استمرار النزيف، ما أدى إلى تدهور كبير في صحتها، ودخولها في غيبوبة ألزمتها غرفة العناية المركزة، لريثما يجري نقلها إلى مستشفى الخليل الأهلي.

وصلت إلى المستشفى الآخر في الضفة، في حالة ميؤوس منها حسب التقرير الطبي. كان الأوان قد فات، وأُخضعت السيدة لجهاز التنفس الصناعي، حتى وافتها المنية مساء الخميس الثاني من ديسمبر.

مستشفى ناصر في خان يونس، حدث فيه الكثير من هذه المآسي، ولم تتصرف السلطات الطبية بأدنى شعور بالمسؤولية عن سلامة العمل في المستشفيات، وواضح أن المعايير تنقلب عند هذه السلطات، فترى نجاح عمليات ولادة، شهادة كفاءة واستحقاق، وبالتالي فإن عمليات الولادة الفاشلة التي تؤدي إلى الموت لا تستدعي المحاسبة والعقاب والتغيير الشامل.

هذا الذي حدث في قطاع غزة هو أنموذج لما يحدث في العديد من البلدان العربية. وبعض الذي يحدث له وجه آخر في البلدان ذات المستشفيات الاستثمارية أو تلك التي خُصصت لمواطنين من البلد دون وافدين من العاملين فيها وفي خدمتها. فالأخيرون لا يُسمح بإنزالهم من عربات الإسعاف، قبل الدفع أو أن تتحدد هويته. شتان بين ما نحن فيه، وما وصل إليه الآخرون.

20