جزائريون يدعون إلى جمع وتدوين ذاكرة الشعر الملحون

الشعر الملحون تراث شفوي عريق في الجزائر ويعد وثيقة حية تساهم في التأريخ لمختلف المراحل التي عرفتها.
الاثنين 2022/08/15
الملحون شعر يتجاوز حدود القصائد

الجزائر- أجمع باحثون مختصون في مجال التراث والأدب الشعبي أخيرا في ندوة أقيمت بقاعة فرانتز فانون بالجزائر العاصمة على ضرورة جمع وتدوين ذاكرة الشعر الملحون باعتباره “مصدرا لكتابة التاريخ الوطني”، لاسيما مرحلة المقاومة الشعبية والثورة التحريرية، وعلى أهمية تصنيفه ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي باعتباره “مكونا للهوية الوطنية”.

وأكد الباحث في التراث الشعري الملحون ياسين خالد شهلال خلال يوم دراسي حول موضوع “أغنية الشعبي تعبير للشعر الملحون” نظم في إطار الدورة الـ11 للمهرجان الوطني للأغنية الشعبية، على أهمية “تدوين وجمع وتصنيف هذا التراث الشفوي والذي يعد وثيقة حية تساهم في التأريخ لمختلف المراحل التي عرفتها الجزائر ومقاومتها ضد الاستعمار باعتبار أن الشاعر كان شاهدا يجمع المعلومات التاريخية ويؤرخ لها من خلال قصائده الشعرية لتحفظ بذلك أجزاء مهمة من الذاكرة الجماعية”.

عمار بلخوجة: تراث الشعر الملحون وقصائد فحول الشعر الشعبي تختزن الذاكرة الجماعية والثقافة الوطنية

ياسين خالد شهلال: منشأ الشعر الملحون جزائري ويعود إلى القرن التاسع الهجري على يد الشاعر المجاهد سيدي لخضر بن خلوف

وأشار الباحث شهلال في مداخلته إلى أن “22 مصدرا نصيا ومجموعة ثرية من الأدلة التاريخية والعلمية والتقنية مؤرخة في القرن العاشر الهجري تؤكد أن منشأ الشعر الملحون جزائري ويعود إلى القرن التاسع الهجري على يد الشاعر المجاهد سيدي لخضر بن خلوف (مستغانم)”، مبرزا أن “كبار الشعراء في المغرب العربي ومنهم عبدالعزيز المغراوي، محمد النجار الحسني، مبارك السوسي، الشيخ بولطباق وغيرهم، أكدوا من خلال استدلالهم وإحالات قصائدهم أن الشاعر بن خلوف هو مؤسس هذا الجنس الأدبي ومرجعهم الأساسي”.

وأضاف شهلال أن “الشاعر سيدي لخضر بن خلوف الجزائري هو أول من غير في تركيبة وبنية تصميم القصيدة العمودية وفي الإيقاع الموسيقي والدورة الإيقاعية، مؤسسا بذلك لشكل جديد من الأوزان والقياسات في القرن التاسع الهجري بتأثير من الأهازيج الصوفية، ولاسيما الطريقة القادرية، قبل أن يأخذها عنه ويتم استنساخ تجربته في القرنين العاشر والحادي عشر”.

وفي هذا الإطار، شدد الباحث على أهمية “تكثيف وتضافر الجهود لإعداد ملف كامل بهدف اقتراح تصنيف هذا التراث الشفوي الشعبي الجزائري ضمن قائمة التراث اللامادي العالمي لحمايته وللتأكيد بالأدلة التاريخية المختلفة على جزائرية هذا الجنس الأدبي”.

ومن جهته أوضح المؤرخ والباحث عمار بلخوجة في مداخلته “مساهمة الشعر الملحون في كتابة التاريخ” أن “تراث الشعر الملحون وقصائد فحول الشعر الشعبي تختزن الذاكرة الجماعية والثقافة الوطنية وتشكل مصدرا جوهريا من مصادر كتابة التاريخ الوطني ومن الضروري على الباحثين الجامعيين الغوص أكثر في هذا التراث وحمايته من الاندثار”، داعيا إلى “ضرورة إدراج قصائد التراث الشعبي وأعلامه ضمن البرامج التربوية بالمدرسة”.

بدوره تطرق محافظ المهرجان عبدالقادر بن دعماش إلى دور الباحثين والمختصين في التعريف بالمادة العلمية المتعلقة بالشعر الملحون والتراث الشعبي الشفوي ككل “التي وجدوا فيها صعوبات كونها لا تخضع في مقاربتها إلى المعايير العلمية”.

ودعا إلى إبراز شعراء المقاومة الشعبية والثورة التحريرية (1954) الذين واكبوا هذه المحطات النضالية بالجهاد والشعر على غرار الشاعر المتصوف سيدي لخضر بن خلوف الذي أرخ بقصيدته لمعركة “مزغران” بمستغانم ضد الغزو الإسباني، والشيخ محمد بلخير مرافق زعيم المقاومة الشيخ بوعمامة، والطاهر بن حوة الذي عاصر الأمير عبدالقادر، ومحمد العيد آل خليفة إلى جانب مساهمة المغنين كعبدالحميد عبابسة، والشهيد علي معاشي في نقل تلك الأشعار الشعبية.

كما أبرز الباحث في التراث محمد بالعربي أن الشعر الملحون عنصر أساسي من التراث والهوية الوطنية، حيث أن شعراء الملحون في عدة مراحل من التاريخ الوطني “كانوا شهودا على الأحداث المصيرية وساهموا بذلك في كتابة محطات مهمة ساعدت في الحفاظ على عناصر الهوية الوطنية”.

12