"جرس إنذار" رواية سورية عن زمن الحجر والوباء في ألمانيا

القاهرة – “جرس إنذار” هي العمل الروائي الرابع للشاعر السوري الكردي إبراهيم اليوسف، ويخوض من خلالها غمار أحداث ليست بعيدة زمنيا، عائدا إلى ما عاشته البشرية أثناء الوباء من حالات حجر وهلع وترقب.
تدور أحداث الرواية ضمن عمارة في إحدى مدن ألمانيا، يسكنها الراوي مع عدد من أفراد أسرته الذين يتوزعون على شقق العمارة ذات الطوابق السبعة، وذلك خلال الأشهر الستة الأولى من حالة الحجر الكوني العام؛ إذ لاذ خلاله المواطنون إلى بيوتهم وتوقفت عدة مظاهر حياتية: حركة الأسواق والمطارات والمهرجانات والأولمبيادات والمؤتمرات الدولية والحروب، وحتى بعض الشعائر الدينية مثل دور العبادة والحج وغير ذلك.
يعود بنا اليوسف إلى فترة ساد خلالها الرعب في كل مكان، وصار فايروس كورونا المستجد يحصد أرواح الناس على امتداد قارات العالم، بعد أن انطلق أول فايروساته من ووهان الصينية في أواخر عام 2019، ودفع الطبيب الصيني لي ويلينيانغ حياته ثمنا لقول الحقيقة بعد أن نشر على صفحته الفايسبوكية خبراً عن حالة إحدى المصابات بهذا الفايروس، فتم الاعتداء عليه ليكون أحد أوائل ضحايا هذا الوباء الذي سرعان ما انتشر في قارات العالم، وبدا كأن لا خلاص منه أرضا وجوا وبحرا، لأن الفايروس بالمرصاد للجميع في آن واحد.
ترصد الرواية -الصادرة منذ أيام عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة ضمن سلسلة أعمال إبداعية ونقدية وفكرية- أولى حالات الإصابة بكوفيد – 19 في أسرة الراوي عندما تلتقط زوجة أحد أبنائه الفايروس من طبيب أسنان ألماني عجوز، ويدب الهلع في الأسرة؛ إذ تبتعد المريضة عن أسرتها المكونة من ثلاثة أشخاص: هي وزوجها وابنتهما الصغيرة ساي.
☚ الروائي يستخدم عدة تقنيات في عمله، منها توظيف النص الشعري والمقال أو الدراسة ليختلط الحلم بالواقع
تبدأ أزمة البيت بشكل واضح؛ فالطفلة الصغيرة ترفض حالة عزلة أمها وابتعادها عنها وعن أبيها، ويضطر الوالد إلى خدمة زوجته والعناية بالطفلة التي تشتاق إلى قريباتها من الطفلات الصغيرات، فتتطوع طفلة أكبر منها سنا -وهي ابنة عمها- لكسر جدار العزلة، ولتعود إلى أسرتها بعد أيام دون أن يلتقط أحد من أسرتها الفايروس، وكذلك الشأن بالنسبة إلى زوج المريضة وطفلتها.
يعود اليوسف إلى العائلة ليسرد حكايته انطلاقا من البيوت وما فعلته فيها حالات العزل والحظر كي يقيم المشاعر الإنسانية من جديد ويعيد ترتيب العوالم التي يعتقد كل منا في بساطتها وسهولتها، فيما بان بالكاشف أن الحياة الأكثر تماسكا وتلاحما قد تتفكك في لحظة مّا.
وتقسم الرواية الزمن إلى ما قبل كورونا وما بعده، وثبت ذلك منذ مستهل الرواية؛ حيث أشار الكاتب إلى ساعة الصفر في زمن ما بعد كورونا، بعد أن يقدم لها مفتاحاً أول هو “كفي اليمنى باتت تحكني، أربعون يوماً ولم أصافح أحداً، إنه أكبر حدث من نوعه في حياتي”. وفي مثل هذا النص المفتاحي ما يتضمن النوستالجيا الآدمية في الحنين الاجتماعي، كرد فعل على حالة التباعد والعزلة.
وكانت حالة هذه الأسرة أحد محاور الرواية؛ فهي تتناول قضايا عديدة من بينها ارتباط المغترب بمكانه، إذ إن حالة الأهل داخل الوطن تظل مدار تفكير الأبناء والبنات الذين يتألمون لأحوال ذويهم في ظل حالة الحرب والحصار وعدم توافر سبل الوقاية ومستلزمات علاج المرضى، وغير ذلك.
لكن عوالم الرواية أوسع من هذا الملمح الأولي المشار إليه، لأنها تتناول عالماً كاملاً، في ظل الحرب على السوريين واضطرار الكثيرين والكثيرات إلى الهجرة، وذلك في إطار هجرة الأدمغة والعقول، بالإضافة إلى هجرة الناس العاديين وتوزعهم في بلدان العالم، إذ نجد إحدى الشخصيات تترك كل شيء وراءها لتعود إلى الوطن وتقف إلى جانب الأهل في هذه الحرب الكبرى. كما نجد شخصية أخرى تعمل في أحد مراكز البحوث الدولية، وهدفها إيجاد اللقاح المناسب لهذا الوباء على أمل أن تضطر سلطات البلد الذي هاجرت إليه لتقديمه إلى أبناء بلدها.
واستخدم الروائي عدة تقنيات في عمله الجديد، منها توظيف النص الشعري والمقال أو الدراسة، ليختلط الحلم بالواقع، بل الخيال بالواقع الذي يتجسد في الاستعانة بأسماء حقيقية، إلى جانب شخصيات ووقائع من صنع الخيال، كما فعل ذلك في أكثر من عمل سابق، وعبر لغة يومية هي لغة المؤلف الصحافية، وذلك بعيداً عن لغة الشاعر التي يحاول الابتعاد عنها في أعماله السردية.
ومن الجدير بالذكر أنه قد صدرت للكاتب ثلاثة كتب سابقة في إطار أدب الجائحة، وهي “خارج سور الصين العظيم – من الفكاهة إلى المأساة” و”أطلس العزلة: ديوان العائلة والبيت” و”جماليات العزلة في أسئلة الرعب والبقاء”.