جدية الكوميديا
عندما يجري الحديث عن الأدب الجادّ تتبادر إلى الذهن نصوص تعرض لأبطال يخوضون صراعا غير متكافئ مع القوى الاجتماعية والسياسية، يتسامون على ضعفهم وهشاشة وضعهم أملا في الانعتاق، أو يطرح قضايا فلسفية عن عبثية السعي ما دام كل شيء مقدرا سلفا. وحينما يأتي ذكر المسرح الجادّ فإنما يقصد به المسرح التراجيدي الذي يتحدى فيه الإنسان واقعه فيبوء سعيه بالفشل، مثلما كان يتحدى الآلهة في التراجيديا الإغريقية، فتصبّ عليه غضبها المدمر أو لعنتها الأبدية.
هذا الموقف الخاطئ من الكوميديا لا يخص العرب وحدهم، بل يشمل الشعوب المتقدمة، فالفرنسيون حتى وقت قريب كانوا ينظرون إلى مسرح الفودفيل كمجرد وسيلة للتسلية، ويتناسون أنه لون من ألوان الكوميديا التي تزامن ظهورها في اليونان القديمة مع التراجيديا، وبرز فيها كتاب كثرٌ أمثال كراتيس وأوبوليس وكراتينوس وخاصة أبيكارموس وأريستوفانيس. وأن موليير سار على دربهم ولو برؤية تناسب عصره، تلاه في ما بعد كتاب بارزون أمثال ماريفو وبومارشيه وفايدو وساشا غيتري.
ما نريد قوله هو أن الكوميديا لا تخلو من جدية إذا نأت عن الابتذال، وليس أدل على ذلك من برمجة مسرحيين عتيدين في فرنسا هما أوديون والكوميدي فرنسيز لمسرحيتين من كلاسيكيات فايدو ولابيش، فيما تحتضن مسارح أخرى أعمالا كوميدية لجيل جديد من الكتاب يرى أن الكوميديا لا تقل جدية عن التراجيديا، وأن الكوميدي ليس دون الممثل الدرامي قيمة.
كاتب من تونس مقيم في باريس