جدل واسع في الكويت بعد تصريحات أميركية حول فاتورة حرب التحرير

الكويت - أثارت تصريحات وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، موجة من الغضب والاستياء في الكويت بعدما زعم أن الولايات المتحدة أنفقت 100 مليار دولار لتحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991.
وفي الوقت ذاته انتقد لاتنيك خلال لقاء في بودكاست "أول إن" الجمعة ارتفاع الرسوم الجمركية الكويتية على المنتجات الأميركية.
وتأتي هذه التصريحات في ظل توترات تجارية عالمية، ومساعي أميركية لتعزيز المصالح الاقتصادية الأميركية.
وعبرت شخصيات كويتية سياسية وعامة عن استغرابها واستهجانها لهذه التصريحات، معتبرة إياها غير لائقة ومستفزة، واستعرضت التكلفة المدونة في التقارير الرسمية والدول التي ساعدت في تسديدها.
وقد اعتبر البعض هذه التصريحات بمثابة ابتزاز مقيت، فيما طالب البعض الحكومة الكويتية على قراءة التحوّل بوعي قبل أن تجد نفسها في مرمى ضغط أميركي غير مسبوق.
ويرى مراقبون أن تصريحات الوزير الأميركي قد تؤثر على العلاقات الكويتية الأميركية، وتزيد من حالة التوتر بين البلدين، وقد تدفع الكويت إلى البحث عن بدائل اقتصادية وتجارية أخرى.
ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن هذه التصريحات تعكس وجود خلافات تجارية بين الولايات المتحدة والكويت، وتثير تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين.
وأكد ناشطون ومحللون كويتيون عبر منصات التواصل الاجتماعي أن الكويت، إلى جانب دول أخرى مثل السعودية والإمارات واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية، ساهمت بشكل كبير في تغطية التكاليف، حيث بلغت هذه المساهمات نحو 53 مليار دولار.
علاوة على ذلك، لفت كثيرون إلى أن الكويت تكبدت خسائر مباشرة ضخمة بسبب الغزو، مع تدمير واسع للبنية التحتية.
وأكدوا أن تلك الأضرار تسببت بخسائر نفطية يومية بلغت نحو 120 مليون دولار، في حين بلغت تكاليف إعادة إعمار القطاع النفطي وحده نحو 80 مليار دولار.
وطالب العديد من الشخصيات العامة الكويتية الحكومة الأميركية بتصحيح تصريحات الوزير لاتنيك، معتبرين إياها "تجاهلاً للتضحيات والخسائر الكبيرة التي تحملتها الكويت خلال الغزو وبعد التحرير".
من بين أبرز الردود الكويتية كان انتقاد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت عبدالله الشايجي تصريحات هوارد لاتنيك، مؤكداً أنه ادعى زوراً بأن أميركا أنفقت 100 مليار دولار لتحرير الكويت.
وأشار الشايجي في منشور على منصة إكس إلى أن الوزير الأميركي يروّج معلومات مغلوطة عن الكويت، واصفاً كلامه بـ"الساذج والمسطح"، خاصة أن الكويت من أقل دول العالم في الرسوم الجمركية 5 بالمئة، في مقابل قيام ترامب نفسه برفع الرسوم الجمركية على دول عدة مثل الصين وكندا.
وأوضح الشايجي أن الكويت ودولاً أخرى مثل السعودية والإمارات واليابان وكوريا الجنوبية ساهمت مالياً في تغطية نفقات حرب الخليج (عاصفة الصحراء) بمبلغ 54 مليار دولار.
وأكد أن الولايات المتحدة استفادت مالياً بشكل كبير من الحرب من خلال بيع الأسلحة وتجربتها مثل صواريخ باتريوت ودبابات أبراهمز وطائرات إف -18 بمليارات الدولارات.
ودعا الشايجي إلى التعامل بحذر مع الإدارة الأميركية الحالية، وعقد شراكات اقتصادية واستثمارية مع الشركات الأميركية لتعزيز صورة الكويت في واشنطن، مؤكداً أن الإدارة الأميركية تفهم جيداً لغة الأعمال والاستثمار.
بدوره، علق السفير الكويتي جمال النصافي حول ما ذكره الوزير الأميركي بالضريبة الكويتية قائلاً إن دولة الكويت تطبّق ضريبة جمركية موحدة بنسبة 5 بالمئة تُفرض على جميع الدول دون استثناء، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف عبر حسابه على منصة إكس أن هناك العديد من السلع المعفاة من هذه الضريبة بموجب القوانين الوطنية أو الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة. وتُعدّ الكويت من أقل دول العالم من حيث نسبة الضريبة الجمركية.
من جهتها، اعتبرت الوزيرة والنائبة السابقة جنان بوشهري أن تصريحات وزير التجارة الأميركي ليست عفوية، بل تعكس توجها أميركيا ظهر سابقاً في تصريحات ترامب عام 2011، ما يضع الكويت ضمن حسابات واشنطن في حروبها التجارية.
وشددت في تدوينتها على أن الحكومة مطالبة بقراءة الواقع المحلي بجدية، وتعزيز الوحدة الوطنية، لأن تجاهل المتغيرات الدولية لم يعد خياراً، والتساهل لم يعد موقفاً مناسباً.
وبدوره، قدم النائب السابق أسامة المناور، إحصائيات بشأن القضية، مؤكدا أن "قيمة الجمارك ما زالت كما هي منذ أكثر من 20 عاما وكلام الوزير الأميركي كله خطأ، ويبدو أن الحرب في كل اتجاه وهو يريد أن يخفف من وطأتها، سواء الحرب التجارية مع كندا أو أوروبا، حيث يتكلم مع الحلفاء في الدول الأخرى".
وقال المناور إن "كلفة حرب تحرير الكويت بلغت 60 مليار دولار، وما دفعته أميركا في هذه الحرب بلغ 5 مليارات فقط، وفقا لكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أحد المقاطع المصورة، فيما تحملت الكويت والسعودية المبلغ الأكبر من كلفة الحرب بقيمة 40 مليارا بواقع 20 مليارا لكل دولة، بالإضافة إلى ما دفعته كل من الإمارات واليابان ودول الخليج العربية، وما يقال بأن الكويت دفعت فقط لأميركا 500 مليون دولار، فإن هذا المبلغ كان تبرعا من الكويت لأميركا عندما تعرضت الأخيرة لإعصار كاترينا".
ووصف المحلل السياسي عبدالعزيز العنجري تصريحات وزير التجارة الأميركي في تغريدة على منصة إكس بأنها تصعيدية وخطيرة، تستهدف الكويت بشكل مباشر بادعاءات غير دقيقة حول تكلفة حرب التحرير والرسوم الجمركية.
وأشار إلى أن دول الخليج، وفي مقدمتها الكويت، تحملت معظم تكاليف الحرب، وأن استخدام هذه المزاعم قد يمهد لإجراءات اقتصادية ضد الكويت.
ودعا العنجري حكومة بلاده لقراءة هذا التحول بوعي ومراجعة سياساتها قبل مواجهة ضغوط أمريكية متصاعدة.
من خلال التعبير عن رأيهم في مواقع التواصل الاجتماعي رأى كويتيون أن ما جاء به الوزير الكويتي لا يعدو كونه نوعاً من "الابتزاز الاقتصادي" تنتهجه إدارة ترامب لنيل مكاسب على حساب الكويت.
وضرورة أن يكون للحكومة الكويتية موقف واضح وحازم مما صرّح به الوزير الأميركي، كان من بين أبرز ما أكده كويتيون في تعليقاتهم، معتبرين أن مثل هذه التصريحات لا يمكن السكوت عنها دون ردّ رسمي.
وتأتي هذه التصريحات في وقت حساس، حيث تسعى الكويت إلى تنويع علاقاتها الاقتصادية وتوطيد علاقاتها مع قوى عالمية أخرى.
وقد شددت صحيفة القبس الكويتية على أن السياسة الخارجية للحكومة الكويتية يجب أن تكون متأهبة حيال هذا التغيير في نمط الخطاب الأميركي، ومستعدة لمجابهة هذه الاستفزازات، واستثمار التاريخ الراسخ لسياسة الكويت الخارجية، والتي تقوم على الحكمة، والصلابة، والاعتدال، والانفتاح والتوازن المحمود مع الدول العظمى.
في الثاني من أغسطس عام 1990، اجتاح الجيش العراقي بأمر من الرئيس الراحل الأسبق صدام حسين أراضي الكويت، في خطوة مفاجئة أدت إلى واحدة من أكبر الأزمات العسكرية في تاريخ المنطقة.
وجاء الغزو بعد اتهامات عراقية للكويت بسرقة النفط والتآمر، وسط توتر متصاعد على خلفية النزاع النفطي والديون العراقية بعد الحرب مع إيران (1980 - 1988).
ولم يتأخر الرد الدولي، حيث شكّلت الولايات المتحدة تحالفا عسكريا واسعا ضم 38 دولة، وتحت غطاء قرارات مجلس الأمن أطلقت واشنطن عملية "عاصفة الصحراء" الجوية، في 17 يناير 1991، أعقبها هجوم بري يوم 24 فبراير من نفس العام.
وبعد 100 ساعة من العمليات البرية، أُعلن تحرير الكويت في 27 فبراير، وانتهت الحرب رسميا في أبريل من نفس العام.
وألحقت الحرب خسائر باهظة بشرية ومادية لكل من دولتي الكويت والعراق، إذ فقدت الكويت مئات القتلى والمفقودين، مع دمار كبير أبرزه إشعال 752 بئراً نفطياً، وخسائر قدرت بـ92 مليار دولار.
أما العراق فقد نزف عشرات الآلاف من القتلى، مع دمار للبنية العسكرية والمدنية، وحصار اقتصادي شامل استمر 12 عاماً، أدى إلى وفاة أكثر من مليون طفل.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الخسائر المادية للحرب تجاوزت 620 مليار دولار، مع تحميل العراق مسؤولية التعويض عبر اقتطاع 5 بالمئة من عائداته النفطية لعقود طويلة.
وعلى الرغم من أن التحرير تحقق، فإن تداعيات الحرب تركت جراحا عميقة في المنطقة، وما تزال آثارها تُلقي بظلالها حتى اليوم.