جدل لبناني بشأن تشديد القيود على الودائع المصرفية

أثارت نية البنوك اللبنانية تشديد الرقابة على سحب الودائع المصرفية مع استئناف نشاطها أمس في أعقاب إغلاقها لمدة أسبوعين بسبب احتجاجات أدت إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، الجدل بين الأوساط المالية خاصة في ظل ضبابية الرؤية حول المسألة من طرف المصرف المركزي.
بيروت - أشاعت مساعي مصرف لبنان المركزي لتشديد القيود على الودائع المصرفية القلق بين أوساط قطاع المال بعد أن تدافع المودعون لسحب مدخراتهم أو تحويلها إلى الخارج مع استئناف البنوك لعملها أمس.
وكان المركزي قد تعهّد بعدم فرض قيود على حركة رؤوس الأموال حين تعيد البنوك فتح أبوابها، وهي إجراءات قد تعرقل تدفقات العملة والاستثمارات التي يحتاجها لبنان بشكل ملح لتجاوز أشد ضغوط اقتصادية منذ الحرب الأهلية في الفترة بين 1975 و1990.
لكن مصادر مصرفية قالت إنه بينما يلتزم حاكم المركزي رياض سلامة بتلك السياسة، فإن البنوك التجارية ستسمح فقط بالتحويلات إلى الخارج في حالات مثل المدفوعات الخاصة بالأطفال وتلك الخاصة بالرعاية الصحية أو سداد القروض.
وترك سلامة للبنوك التجارية اتخاذ القرار بشأن السياسات الفردية التي قد تزيد صعوبة نقل الأموال إلى الخارج أو تحويلها إلى عملة أجنبية وتقلص جاذبية سحب المدخرات.
وقال مصرفي كبير لوكالة رويترز “لم يعلن سلامة رسميا عن قيود على رأس المال، لكنه ترك ذلك لتفعله البنوك”.
وأشار أحد المصادر إلى أن التحويلات للخارج ستكون “للمسائل المهمة والأساسية”، وأنه ستتم إعادة النظر في الوضع الاثنين المقبل.
وذكرت المصادر أن البنوك ستتخذ القرار بشأن من سيُسمح له بتحويل الأموال للخارج بناء على كل زبون على حدة.
وعقدت البنوك اجتماعات أزمة مع محافظ المركزي بشأن الوضع. وقال سلامة لرويترز الاثنين الماضي إنه لن تكون هناك قيود على حركة رؤوس الأموال وخفض لقيمة الديون حين تفتح البنوك أبوابها.
وبعد تراجع الاحتجاجات الأربعاء الماضي، قالت جمعية مصارف لبنان إن البنوك ستستأنف عملها كما كان معلنا من قبل الجمعية لتوفير “الحاجات الملحة والأساسية” ومن بينها دفع الرواتب.
وقالت في بيان الخميس إنها تأمل “بأن يتفهم الزبائن الوضع القائم وأن يتجاوبوا إيجابيا لخدمة مصالحهم ومصالح البلد في هذه المرحلة الاستثنائية”.
وقالت ثلاثة من المصادر المصرفية إن “البنوك ستعرض على الأرجح محفزات من بينها أسعار فائدة أفضل وآجال استحقاق مختلفة وستسعى شفهيا لإقناع العملاء بالإبقاء على وضع أموالهم”.
وقبل أسبوع، وضعت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية لبنان على “قائمة المراقبة السلبية” بفعل مخاوف بشأن تراجع تدفقات العملة.
ورغم أن المستويات المرتفعة الملائمة لإجمالي الاحتياطيات الأجنبية، شاملة الذهب، والتي تبلغ نحو 50 مليار دولار تقريبا، فإن فرض “قيود ضعيفة على رأس المال” يثير تساؤلات بشأن النظام النقدي المتبع حاليا.
وأكدت ستاندرد آند بورز في مذكرة أنها تدرك أن البنوك فرضت قيودا على سحب الدولارات الأميركية.
ويحتاج لبنان، باعتباره مستوردا صافيا ويربط عملته بالدولار، إلى تدفقات نقدية ثابتة. وقد حافظت تدفقات من اللبنانيين في الخارج الذين يشكلون كتلة كبيرة على صمود الاقتصاد لعقود.
وفي ظل تنامي الضغوط السياسية والاقتصادية في لبنان خلال العامين التاليين لتقديم رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته المرة الماضية، والتي ثبُت أنها مؤقتة، يواجه اللبنانيون عوائق إجرائية وعدم تشجيع من البنوك عندما يسعون لتحويل الودائع بالليرة اللبنانية إلى دولارات أو نقل أموال للخارج.
وشملت المحفزات رفع أسعار الفائدة والتأكد من أن الودائع محددة الأجل مُحتفظ بها حتى موعد الاستحقاق.
وأوقفت بعض البنوك بالفعل صرف الدولارات عبر ماكينات الصرف الآلي أثناء الاحتجاجات، وزادت معدّلات تزويد البنوك للماكينات بالنقود عن المعتاد، إذ كانت تنفد الأموال منها عادة إبان فترة إغلاق البنوك.
وقالت ثلاثة مصادر إن البنوك ربما تقرر أيضا الإلزام بجعل التحويلات للخارج عبر شيكات، وهو ما يستغرق فترة أطول مقارنة بالتحويل الإلكتروني.
ويعاني لبنان من نسبة دين عام إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة تبلغ وفق التقديرات حوالي 150 بالمئة، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم.
وفي السنوات الأخيرة، تعرضت احتياطيات المركزي من النقد الأجنبي لضغط بفعل ركود في الاقتصاد المحلي وتباطؤ في التدفقات النقدية من اللبنانيين في الخارج. وشهدت الأشهر الأخيرة ظهور سوق صرف موازية للدولار.
وتسبب تنامي الضغط الاقتصادي والسياسي في أن أصبح الحصول على الدولارات أصعب وأضعف الليرة أمام الدولار في سوق الصرف الموازية بخصم حوالي عشرين بالمئة من السعر الرسمي المربوطة به منذ عشرين عاما.
وقال جياس جوكنت من “جي.بي مورغان للأوراق المالية” إن “أي نزوح لرؤوس الأموال وتهافت على البنوك لسحب الودائع سيكون مبعث قلق كبير”. وأضاف “لكن سبب صمود لبنان في السابق لا يزال قائما، وذلك عندما تقارن أي افتراض معقول للتدفقات الخارجة، فاحتياطيات البنك المركزي أكبر بكثير وكافية لتغطية ذلك.. على الأقل على المدى القريب”.
ويتخوّف المواطنون من انهيار الليرة اللبنانية أمام الدولار بمجرد أن فتحت البنوك أبوابها مع ازدياد الطلب.