جدل في سوريا عنوانه "هل يجب بث الاعترافات الفجة لقاتل على التلفزيون؟"

انتهاكات إعلامية رافقت حادثة مقتل طفلة سورية تثير غضبا واسعا.
الخميس 2022/08/25
المانع أخلاقي وليس قانونيا

أثارت الاعترافات التي بثّها التلفزيون الرسمي السوري لقاتل طفلة موجة كبيرة من الغضب واعتبرها الكثيرون "سقطة أخلاقية"، ما استوجب اعتذارا رسميا من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية.

دمشق - قدّمت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية اعتذارا بعد بثها اعترافات فجة لقاتل طفلة أثارت جدلا واسعا.

وجاء في بيان الهيئة الذي أوردته خلال نشرة الأخبار، أنها “تتقدم لعائلة الطفلة جوى استانبولي بأحر التعازي وأصدقها، وتؤكد أنها متعاطفة معها في مصابها الأليم”. وأضاف أن “الهيئة ترجو قبول اعتذارها عمّا ورد لدى بث الاعترافات الكاملة لقاتل الطفلة، من عبارات خادشة لمشاعر المشاهدين”.

وجاء الاعتذار بعد موجة انتقادات لما بثه التلفزيون الرسمي من اعترافات القاتل الذي تحدث عن اغتصابه للطفلة بشكل مفصّل بشدّة ثم جريمة قتلها والتخلص من جثتها، ما أثار غضب المتابعين.

واعتبر متابعون أن ما جرى بعيد عن المهنية، ولم يراعِ مشاعر ذوي الضحية، أو حتى الرأي العام الذي اهتز على وقع الجريمة، علماً بأن المقطع المصور للاعترافات انتشر على نطاق واسع على مواقع التواصل بعد بثه رغم حذفه من صفحة الهيئة.

وقالت الإعلامية راميا الإبراهيم:

 

وأكد مغرد:

واعتبر إعلامي:

وأثارت قضية مقتل الطفلة جوى استانبولي من حي “المهاجرين” في مدينة حمص، غضبًا في الشارع السوري وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، جراء “بشاعة المصاب” الذي لحق بالطفلة البالغة من العمر ثلاث سنوات ونصف سنة، وبسبب الانتهاكات القانونية والإعلامية التي رافقت الحادثة.

وكانت وزارة الداخلية السورية قد أعلنت إلقاءها القبض على المتهم بقتل الطفلة جوى في حمص، وقدمته بطريقة تؤكد استغلال القضية للترويج للسلطات.

وقالت الوزارة، في 20 من أغسطس الحالي، عبر صفحتها على فيسبوك، إنها ألقت القبض على المتهم قبل أربعة أيام (في 16 من الشهر نفسه)، لتكشف أنه كان أحد الجيران في الحي الذي كانت تقطن فيه الطفلة.

واعترف المتهم في تسجيل مصوّر نشرته الوزارة عبر صفحاتها الرسمية، كما نشره التلفزيون السوري بأنه استدرج الطفلة إلى منزله واعتدى عليها ثم قتلها ووضعها في أكياس قمامة ليرميها في حاوية القمامة.

وأثار نشر اعترافات المتهم انتقادات على وسائل التواصل، لذكر تفاصيل رآها الكثيرون مؤذية وفجة.

ووسط الاتهامات والتناقضات بين رواية القاتل ورواية وزارة الداخلية حول الجريمة، حاول التلفزيون الرسمي حذف الفيديو من الصفحات التابعة له. وكتب الممثل السوري بشار إسماعيل منشوراً على فيسبوك، أعلن من خلاله محاولة وزارة الإعلام حذف فيديو الاعترافات، إلا أنه أرجع ذلك إلى ما أسماه (كلمات غير مهنية) وردت ضمن اعترافات قاتل الطفلة.

وردّ المعلقون على منشور إسماعيل بالقول، إن محاولات الحذف ليست بسبب السماح ببث كلمات غير مهنية، وإنما تهدف إلى التغطية على “كذب الرواية” التي أدلى بها القاتل.

تقرير صادم
تقرير صادم

ورغم ذلك، كان لآخرين رأي معاكس، إذ قال المحامي السوري عارف الشعال على فيسبوك، إنه “على الرغم من كل التحفظات على نشر الاعترافات المتلفزة لقاتل الطفلة المغدورة بهذا الشكل، ولكنني أتفهم هذا النشر من باب الحفاظ على هيبة أجهزة مكافحة الجريمة واستعادة ثقة الناس فيها، مع الإشارة إلى أنه لا يوجد أي مانع قانوني من هذا النشر في هذه المرحلة من التحقيق، حيث لم يضع القضاء يده على القضية بعد ليحظر أو يسمح بالنشر”.

ولكن ما أثار حفيظة الشعال، هو “تسليط الضوء على دور ضباط جهاز الأمن الجنائي التابع لوزارة الداخلية في استقصاء الجريمة، وكلاهما من أجهزة السلطة التنفيذية، بطريقة تغرس في وعي المتلقي والجمهور أن استقصاء الجرائم من وظيفة جهاز الأمن، وهذا غير صحيح، لأن استقصاء الجرائم من وظيفة الضابطة العدلية التي يرأسها النائب العام وهو قاضٍ، والجهاز الأمني “من الباب إلى المحراب” معاون لها في هذا الموضوع (المواد 6 و7 و8 أصول جزائية)”.

ولفت إلى أن “مهمة القضاء استقصاء الجرائم وليس أجهزة السلطة التنفيذية، والفكرة من ذلك أن القضاء سلطة محايدة ذات عقل بارد، لا تتأثر بالرأي العام، وهي أكثر جهة تضمن حقوق المواطنين في التحقيق، خلافًا لأجهزة السلطة التنفيذية الأمنية ذات العقل الحامي، التي تتأثر بالرأي العام وتشعر بالحرج منه، ما يدفعها إلى ارتكاب التجاوزات والانتهاكات في أثناء التحقيق للحصول على اعترافات سريعة”.

وسط الاتهامات والتناقضات بين رواية القاتل ورواية وزارة الداخلية حول الجريمة، حاول التلفزيون الرسمي حذف الفيديو من الصفحات التابعة له

بينما اعتبر آخرون أن الاعترافات التي قالها المتهم ملقَّنة، إذ تتعارض مع تقرير الطبيب الشرعي، الذي لم يذكر حدوث اغتصاب جنسي، موثقًا أنها قُتلت بأداة حادة على رأسها.

ودفعت الانتقادات التي طالت التقرير الشرعي رئيس مركز الطبابة الشرعية في حمص، الطبيب جورج صليبي، إلى تقديم استقالته على خلفية “الأخطاء”.

وكتب الإعلامي السوري محمد الخضر إن “استقالة رئيس الطب الشرعي بحمص بسبب تقديمه تقريرا غير دقيق حول جريمة قتل الطفلة جوى واعتذار التلفزيون السوري من عائلة الطفلة بسبب عرض تفاصيل مؤذية في اعترافات القاتل مؤشران مهمان جدا عن قوة الرأي العام تجاه قضية أخذت تفاعلا غير مسبوق على المستوى الوطني، بصرف النظر إن كانت الاستقالة والاعتذار بتوجيهات جهات عليا أو لا..”.

وأضاف الإعلامي“اليوم هناك رأي عام متبلور وضاغط في قضية الطفلة بكل تفاصيلها أدى إلى هاتين النتيجتين. رأي عام أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيله بسرعة هائلة وبما يشبه التوافق العام وهنا يسجل للتلفزيون السوري سابقة الاعتذار التي من الممكن أن تؤسس لآلية تعاطي أفضل مع الجمهور”.

وبعد كل البلبلة والهجوم اللذين لحقا بأجهزة الأمن عبر وسائل التواصل، زار وزير الداخلية، محمد خالد رحمون، عائلة الطفلة وقدم التعازي باسم الرئيس السوري بشار الأسد.

16