جدل داخل اتحاد الشغل في تونس بشأن استمرار القيادة

بدأ الحديث في أوساط الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية) عن إمكانية تعديل الفصل 20 من القانون الأساسي والذي سيغادر بموجبه ما لا يقل عن 9 أعضاء من المكتب التنفيذي الحالي قيادة المنظمة بمن فيهم الأمين العام نورالدين الطبوبي وأسماء أخرى وازنة، في وقت تستعد فيه المنظمة الشغيلة لاستحقاقات اجتماعية كبرى.
تونس- كشف الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي الثلاثاء، أن الهيئة الإدارية للاتحاد العام التونسي للشغل تستعد للنظر في مسألة الفصل 20 من القانون الأساسي المثير للجدل، والذي يحدد المدة النيابية لأعضاء المكتب التنفيذي بمدتين متتالتين، وهو ما ترفضه قيادات نقابية عديدة تستعد للتنافس على قيادة المنظمة في قادم الأيام.
وأكد اليعقوبي في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن موقفه واضح من هذه المسألة وهو عدم المساس بالقانون الأساسي إلا وفق الأطر التي يحددها المؤتمر العادي.
وتدعو أطراف من داخل الاتحاد إلى تنقيح الفصل 20 قبل المؤتمر القادم الذي سينعقد في غضون سنة ونصف تقريبا، فيما ترفض أطراف أخرى أي مساس بالقانون الأساسي وتعتبر ذلك محاولة لإقصائها.
وسبق للسعد اليعقوبي أن ترشح لعضوية المؤتمر الثالث والعشرين للمنظمة الشغيلة والذي عقد في أكتوبر 2017، حيث تحصل على 11 صوتا، وسط تشكيك عديد القواعد النقابية في شفافية العملية الانتخابية.
وأدخل المؤتمر الثالث والعشرون تعديلات عديدة على القانون الأساسي والتي من المنتظر أن تدخل حيز التنفيذ في المؤتمر القادم وتتمثّل أساسا في توسيع تركيبة المكتب التنفيذي من 13 إلى 15 عضوا، حيث سيقع إحداث مسؤولية جديدة صلب المكتب التنفيذي مكلّفة بالقطاع الخاصّ، بمعنى سيكون داخل المكتب التنفيذي أمينان عامان مساعدان مكلّفان بالقطاع الخاصّ أحدهما مسؤول عن القطاع الخاصّ الخدماتي والآخر مسؤول عن القطاع الخاصّ الصناعي.
وأما التعديل الثاني الأبرز والذي سيكون أول تطبيق له خلال المؤتمر المقبل، هو منح صفة نائب له حقّ التصويت لأعضاء الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل بعد أن كانوا فقط يحضرون المؤتمرات كنواب دون حقّ التصويت.
وتتوجس أطراف نقابية من مغادرة “القيادات التاريخية” للمنظمة دفعة واحدة وهو ما سيؤثر على التعامل مع الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحارقة، في ظل وضع اجتماعي متردّ وحكومة جديدة لا تملك سوى مواصلة نهج التداين والاقتراض، ما يثقل كاهل العمال، فيما يعتبر الشق المقابل أن تعديل الفصل 20 سيمسّ من مصداقية الاتحاد لدى الرأي العام كما القواعد النقابية خاصة أن هذا الفصل تمت مناقشته والمصادقة عليه في المؤتمر الأخير.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت، إن تعديل الفصل 20 من النظام الأساسي ليس وليد اللحظة وإنما طرح منذ فترة داخل هياكل المنظمة الشغيلة، من باب الحرص على استمرارية القيادة في مرحلة اجتماعية دقيقة وحساسة للغاية.
و كشف المنذر ثابت لـ”العرب” أن هناك مقترحا يبدو أنه توافقي وقد يرضي جميع الأطراف ألا وهو السماح للأمين العام نورالدين الطبوبي بقيادة المرحلة المقبلة دون أعضاء المكتب التنفيذي.
وأوضح “يمكن فصل ترشح الأمين العام لولاية أخرى بغض النظر عن انتمائه للمكتب التنفيذي وبذلك يمكن له تأمين استمرارية القيادة”، مشيرا إلى ضرورة أن يكون ذلك عبر انتخابات ديمقراطية وشفافة تضمن حق المنافسة للجميع.
وإلى جانب دورها الاجتماعي، تلعب المنظمة الشغيلة أدوار سياسية منذ ثورة يناير 2011، حيث كانت متواجدة في جميع مراحل تكوين الحكومات المتعاقبة على البلاد، بل ساهمت مؤخرا، حسب مراقبين، في تجنيب تونس الذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة من خلال تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين وممارسة ضغوط على جميع الأحزاب. وتوجت ضغوط المنظمة الشغيلة بنيل حكومة إلياس الفخفاخ ثقة البرلمان وتفادي سيناريو سياسي كارثي كان سيكلف البلاد تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة.
ويرى متابعون للشأن النقابي أن اتحاد الشغل تمكن خلال المرحلة الانتقالية في تونس من تعزيز إشعاعه النقابي ودوره الإجتماعي والسياسي فكان قوة ضغط واقتراح وتعديل لصالح الطبقة الشغيلة، وحاضنا للتوافق السياسي.
وواجهت المنظمة الشغيلة في المقابل، انتقادات حول ما وصف بـ”اللجوء إلى الكثير من الإضرابات العامة والقطاعية في ظل الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد منذ 2011”.
ويرى الباحث السياسي توفيق المديني أن المنظمة الشغيلة مطالبة اليوم ببلورة مشروع جديد للعمل النقابي، يحافظ على استقلالية المركزية النقابية، ويحدث إصلاحا ديمقراطيا داخليا عميقا في صلب المنظمة النقابية، قوامه، مأسسة الحوار الاجتماعي ومقاومة الفساد المستشري في أجهزة الدولة، والنضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، من دون أن يعني ذلك أن الاتحاد مطالب بلعب دور سياسي أو المشاركة في الحكم، أو الزج به في مزايدات انتخابية أضرّت بصورته.