جدران شوارع الدار البيضاء تتحول إلى شرائط مصورة

الغرافيتي يعيد الحياة إلى المباني القديمة ويبث رسائل من عمق التراث.
الخميس 2022/01/06
فن يترجم ثقافات العالم والتسامح والاختلاف

باتت شوارع الدار البيضاء تكتسي بحُلة من الألوان الزاهية بعد أن زين فنانو غرافيتي جدران المدينة ومبانيها برسوم حديثة انطلاقا من الشغف بفن الشارع بما تمثله من أفكار معاصرة. وقد تعددت التظاهرات التي تعتني بالغرافيتي والتي ساهمت في تحويل العديد من واجهات المدينة وشوارعها إلى معارض فنية مفتوحة في الهواء الطلق، بكل ما تمثله هذه الأعمال من جماليات ورسائل فنية وفكرية متعددة.

الدار البيضاء - عند منعطف بعض الأزقة، وفي وسط شارع مزدحم أو في قلب المدار، يبدو أن فن الشارع قد وجد في واجهات الدار البيضاء فضاء مناسبا للتعبير والإبداع، حيث يمنح المارة مشهدا مرئيا ملونا يسحر الصغار والكبار على حد سواء.

هذا الفن الحضري يسطع في شرايين الشوارع القاتمة في كثير من الأحيان، لإعادة الحياة والروح إلى المباني القديمة، بالإضافة إلى إنارة الزوايا الباهتة للمدينة، إذ يسطع هذه المرة بلمسة مغربية بحتة بهدف إبراز التنوع الثقافي والتراث الغني الذي يزخر به المغرب.

التركيز على التراث

إيرامو: مشروعي الفني يسلط الضوء على تراث المغرب الغني

حول واجهة شارع طانطان بحي العنق بالعاصمة الاقتصادية للمغرب تحضر هذه الممارسة الفنية الحضرية مع الذوق الخاص والأصيل لـ”تمغرابيت” لفنان الشارع الموهوب سمير التومي المعروف بإيرامو، الذي تتميز أعماله برقة العطاء واللمسة الدقيقة والحضرية في الدار البيضاء.

فقد تم اختيار الفنان إيرامو لإنجاز لوحة جدارية تعكس الحياة التي توحد المغاربة في اختتام لقاء فني على هامش الدورة السادسة لمهرجان كازا موجا المنظمة من قبل (WeCasablanca)، بهدف تقديم مبادرة (Create Next) “ابتكر التالي”، وهي مبادرة عالمية تحفز الشباب وتبرز المبدعين في هذا المجال في جميع أنحاء العالم.

وبمناسبة مهرجان كازا موجا، يحكي الفنانون تاريخ المدينة من خلال أطفالها وصغارها وكبار السن. إنها شخصيات من وحي خيال الفنانين سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، فهم يفعلون بالجدران كما يصنعون على الشرائط المصورة.

وفي حديث له أشار إيرامو إلى أن فكرة الجدارية جاءت من منظمي مهرجان كازا موجا، في إطار مشروع “Create Next” الذي يهدف إلى دعم الثقافة في المغرب، مضيفا أن فكرة الرسم بلمسة مغربية تعد من إبداعاته الشخصية.

وأوضح أن “هذا المشروع الفني يسلط الضوء على تراث المغرب الغني من خلال تقديم أمثلة للواقع المعيش وأسلوب حياة بسيط، إذ لا يمكن أن يخلو من الألوان، في لوحة جدارية حية يتم تقديمها للجمهور في فضاء مفتوح وعام”.

وفي ما يتعلق بإبداعاته التي تعكس ارتباطا وثيقا بالمغرب في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، أوضح أن العديد منها يتعلق بصور لأشخاص وأماكن تعود إلى العقود الأولى. صور نسبيا غير واضحة، مما يضفي عليها لمسة خاصة من خلال ألوان مميزة.

ويضيف أن أعماله تعطي لمحة عن المغرب القديم، البلد الغني بفنونه وصناعاته وهندسته المعمارية وشعبه. ويقول إيرامو إن “هذا ما يفسر عشقي لصور هاته الفترة”.

ويواصل أن أعماله مستوحاة من مسألة الهوية وعلاقتها بالكائن البشري من وجهة نظر موضوعية، مضيفا أنه يجسد الهوية المغربية من خلال استخدام الألوان الترابية التي تعبر عن الطبيعة الصحراوية لبلدنا.

متحف فني للجميع

عمل فني مميز ذو لمسة إبداعية وحضرية
عمل فني مميز ذو لمسة إبداعية وحضرية 

من جهته يؤكد رامي فيجاجي المدير الفني للمهرجان أن الفنان إيرامو يعد جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية التي تعمل على تعزيز جاذبية الدار البيضاء، وتترجم طموحات عديدة منها دمقرطة الفن والثقافة في الفضاء العام، إلى جانب العمل على تزيين أزقة المدينة بفضل إبداع الفنانين.

كما أشار إلى أن الفكرة وراء جدارية الفنان إيرامو تتمثل في العمل على ترجمة ثقافات العالم والتسامح والاختلاف بين الثقافات والشعوب، مشيرا إلى أن “الاختيار وقع على لمسة مغربية من أجل ترجمة التنوع الثقافي المغربي في لوحة جدارية وتكريم المغاربة وثقافتهم”.

وفي رده على سؤال حول أسباب اختيار إيرامو لإنجاز هذه الجدارية، يلفت الفيجاجي إلى أن هذا الفنان يعد جزءا من هوية الدار البيضاء، وخاصة مهرجان كازا موجا، مشيرا إلى أن اختيار فن الشارع جاء من أجل مهمته الفنية ولأسلوبه الأصيل، وكذلك لاشتغاله على الثقافة المغربية والبصرية المغربية. وأكد أنه “يعد من أفضل المبدعين في فن الشارع في المغرب”.

وبخصوص إبداع جداريات أخرى، يقول إنه تم إنجاز أزيد من 60 لوحة جدارية منذ 2016 بالدار البيضاء في إطار مهرجان كازا موجا، مضيفا أنه خلال العامين الماضيين لم يكن من الممكن دعوة فنانين عالميين.

ويواصل الفيجاجي “في هذه السنة تم إنتاج 25 لوحة جدارية، والفكرة هي الانفتاح على جهة الدار البيضاء - سطات، لجعل العاصمة الاقتصادية متحفا في الهواء الطلق، وكازا موجا مهرجانا إقليميا يضع موجة من الألوان في كل مكان في الجهة”.

13