جحيم الأطباء والمرضى

التوتر هو ما يميز العلاقة بين الطبيب والمريض في بلد هرب منه الأطباء إلى بلدان اللجوء التي صارت مستشفياتها تغص بالأطباء العراقيين.
السبت 2019/03/02
انهيار القطاع الصحي شمل بتأثيراته السلبية المرضى والأطباء معا

الأطباء في العراق في جحيم بعد أن عاشوا لعقود في نعيم، كونهم فئة ميسورة. فهم اليوم يمارسون مهنتهم في ظل غياب سلطة تحميهم من مزاج عشائري لا يقيم اعتبارا لمعنى أن يكون المرء طبيبا.

في سياق ذلك المزاج فإن الطبيب هو القادر على منع الموت. أما إذا وقع الموت فإنه سيكون مسؤولا عنه فيستحق العقاب. ذلك هو السيف المسلط على رقاب مَن تبقى من الأطباء في العراق. سيكون على الطبيب أن يحيي الموتى وإلا فإن مصيره القتل.

في المقابل فإن الفقراء يعانون من الابتزاز الذي صار الأطباء يمارسونه في ظل انهيار القطاع الصحي الحكومي وغياب الرقابة. فالدولة لم تعد معنية بتكاليف علاج المرضى وصار الأطباء يتفننون في ابتكار الوسائل التي يحصلون من خلالها على أموال طائلة، ستجلب عليهم النقمة والحسد.

في الحالين فإن التوتر هو ما يميز العلاقة بين الطبيب والمريض في بلد هرب منه الأطباء إلى بلدان اللجوء التي صارت مستشفياتها تغص بالأطباء العراقيين. وهو ما كان متوقعا بعد أن اعتبرت الميليشيات الموالية لإيران بعد عام 2003 الأطباء هدفا للقتل.

 لقد تعرض عدد من الأطباء العراقيين المشهورين للقتل فكان ذلك إيذانا بالهجرة. أما مَن تبقى في العراق من الأطباء فهو إما اختار أن يمارس مهنا أخرى كالعمل في تجارة الأدوية أو أن يحتمي بواحد من الأحزاب الدينية الحاكمة أو بميليشيا تحصل على جزء من إيرادات عيادته.

ولقد ساعد نظام المحاصصة الطائفية على أن يأخذ الفساد في وزارة الصحة طابعا شبه قانوني، حيث شكلت إيرادات الوزارة مصدر تمويل لأحد الأحزاب الذي كانت الوزارة من حصته. وهو ما دفع الوزيرة عديلة الحمود إلى فرض رسوم على زيارة المرضى. وقد ذاع صيت تلك الوزيرة بسبب صفقة لاستيراد أحذية لغرف العمليات حامت حولها شبهة الفساد.

وفي مجال آخر فإن علاج المرضى خارج العراق (في إيران والهند وتركيا) هو الآخر يخضع لشروط طائفية، صارت اللجان الطبية تضعها في اعتبارها. كل تلك المعطيات تؤكد أن انهيار القطاع الصحي قد شمل بتأثيراته السلبية المرضى والأطباء معا. فالمرضى يتهمون الأطباء بالفساد فيما يضع الأطباء أيديهم على قلوبهم خشية أن تقودهم مهنتهم إلى الموت.

20