جبهة تحرير تيغراي من الإمساك بالسلطة إلى القتال ضد الجيش الإثيوبي

نيروبي - طبعت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي يقاتلها الجيش الإثيوبي في معقلها الشمالي تاريخ البلاد الحديث، منذ أن كانت تتصدر الكفاح ضد دكاتورية الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية، مرورا بتحولها إلى السلطة الفعلية في إثيوبيا لوقت طويل.
وتعد جبهة تحرير تيغراي من الحركات الكثيرة التي نشأت عن الحراك الطلابي الراديكالي ذي الوحي الماركسي اللينيني الذي عصف بالإمبراطورية الإثيوبية في الستينات والسبعينات، في وقت كانت نخبة الأمهرة تسيطر على البلاد.
وعمدت جبهة تحرير تيغراي شديدة التنظيم والانضباط إلى تعزيز صفوفها وتصدّرت الكفاح ضد السلطة العسكرية.
وفي نهاية الثمانينات، تمكنت بمساعدة المتمردين الإريتريين من "صد الجيش الإثيوبي والاستيلاء على معدات"، ما كان له "مفعول كرة الثلج"، وفق ما أوضح رولان مارشال الباحث في مركز الأبحاث الدولية في معهد "سيانس بو" الفرنسي للعلوم السياسية.
وعندما اتحدت مختلف المجموعات المسلحة ضمن صفوف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية، تولى قيادتها ميليس زيناوي قائد جبهة تحرير شعب تيغراي.
في 28 مايو 1991، سيطر مقاتلو جبهة تحرير تيغراي على أديس أبابا تحت راية الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية.
وأصبح ميليس زيناوي في الـ36 من العمر الرجل القوي في إثيوبيا، وبقي كذلك حتى وفاته عام 2012.
وإن كانت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية تتولى الحكم رسميا، فإن جبهة تحرير تيغراي هي التي تمسك فعليا بالقرار. وأوضح رولان مارشال أنها كانت "حاذقة جدا"، إذ تمكنت من خلال "دعم قيادات محلية مضادة للنخب" من "نسج نظام تحالفات كانت تسيطر عليه".
وتمكن ميليس المدعموم من القوى الغربية، "في آن من تسوية المسألة الوطنية الإثيوبية، وتطبيق مقولة 'فرق تسد' واستخراج نخب في كل القوميات" وفية لجبهة تحرير شعب تيغراي.
وبعد الحرب مع إريتريا بين 1998 و2000، قام ميليس بحملة تطهير في صفوف جبهة تحرير تيغراي للقضاء على أي صوت معارض، وتفرد بالحكم.
توفي ميليس بشكل مفاجئ عام 2012، تاركا جبهة تعاني من "القصور والتصلّب والفساد المستشري"، بحسب رولان مارشال.

واختارت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الخلف الذي عينه ميليس نفسه هايلي مريام ديسالين رئيسا للوزراء، لكنه لم يكن يحظى بشرعية الكفاح المسلح، ولم يكن من تيغراي ولا يسيطر على الجهاز الأمني والعسكري الذي تمسك به جبهة تحرير تيغراي.
وبالرغم من النمو الاقتصادي السريع في إثيوبيا، فإن هيمنة شعب تيغراي على السلطة لنحو ثلاثين عاما وانعدام الحرية والفساد المستشري أجج كل ذلك النقمة، ولاسيما لدى قوميتي الأورومو والأمهرة اللتين تصدرتا تظاهرات مناهضة للحكومة. ودفعت الاحتجاجات هايلي مريام ديسالين إلى الاستقالة في فبراير 2018.
واختارت الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية خلفا له آبي أحمد، وهو من الأورومو، في تكريس لتراجع هيمنة جبهة تحرير تيغراي.
وأوضح رولان مارشال "حين وصل آبي إلى السلطة كان هاجسه تهميش جبهة تحرير تيغراي، لأنه يدرك وزنها" ولاسيما "في أروقة جميع الوزارات وداخل نظام الاستخبارات والشرطة".
وتم إبعاد جبهة تحرير تيغراي من مناصب رئيسية، وتعرض العديد من مسؤوليها لملاحقات بتهم فساد، وأوقف بعضهم.
وحين قرر آبي صهر الائتلاف الحاكم داخل حزب واحد، انتقلت جبهة تحرير تيغراي إلى المعارضة وانكفأت إلى تيغراي حيث أعادت ترميم شرعية شعبية متحدية أديس أبابا.
وتستند الجبهة في منطقتها إلى حوالي 250 ألف عنصر من القوات شبه العسكرية والمسلحين، بحسب مجموعة الأزمات الدولية، ويعتقد أنها تمتلك أسلحة استولت عليها من قواعد الجيش الفدرالي في تيغراي.
وحين أطلقت الجبهة صواريخ باتجاه مطاري أمهرة ومطار أسمرة عاصمة إريتريا، فهي أثبتت أنها تمتلك ترسانة أسلحة بعيدة المدى والكفاءات الكافية لاستخدامها.
وأشار رولان مارشال إلى أن "الخبرة العسكرية في إثيوبيا لا تقتصر على شعب تيغراي، لكنها تمتّ إليه بقسمها الأكبر"، مذكرا بأن الجبهة لا تزال نافذة داخل الجهاز الأمني والعسكري حيث لا تزال تحظى بحلفاء من تيغراي ومجموعات قومية أخرى.
ويرى الباحث أن الجبهة "تراهن على تآكل داخلي للائتلاف الداعم لآبي" الذي بات ضعيفا، مع تحول الصراع إلى نزاع "مكلف سياسيا وعسكريا"، وعلى "ضغوط دولية على نظام إثيوبي (...) مفلس".
وختم أن هناك داخل الجبهة "تلك الفكرة بأننا كنا قادرين على القتال عشرين عاما (ضد الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية)، وبالتالي يمكننا تكرار ذلك".