جبران باسيل يقول ما يتجنب عون قوله صراحة: التفاهم مع حزب الله بحاجة إلى إعادة نظر

يعكس تلويح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بإعادة النظر في تحالفه مع حزب الله عودة متأخرة للبحث عن تعاطف الشارع المسيحي الذي بات يسيطر عليه حزب القوات اللبنانية وسمير جعجع، إذ يُنظر إلى المقاعد المسيحية على أنها مضمار التنافس الأساسي في الانتخابات النيابية المرتقبة.
بيروت – صنفت دوائر سياسية لبنانية دعوة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى إعادة النظر في التحالف مع حزب الله ضمن حسابات إعادة التموقع الانتخابي التي يتجنب رئيس الجمهورية ميشال عون قولها صراحة، في وقت تراجعت فيه شعبية الحزب داخل الأوساط المسيحية.
وأعلن باسيل الأحد أن تفاهم تياره مع جماعة حزب الله (حليفة إيران) بحاجة إلى “إعادة نظر”، مهاجما في الآن ذاته حليفته أيضا حركة أمل الشيعية قائلا “أبرمنا تفاهما مع حزب الله وليس مع حركة أمل (يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري)، وعندما نكتشف أن حركة أمل هي من تقرر نيابة عنّا، يصبح من حقنا إعادة النظر في التفاهم”.
وقالت مصادر سياسية لبنانية إن الهجوم الحاد الذي شنه باسيل على حركة أمل يعكس بشكل لا لبس فيه امتعاض التيار من حركة أمل التي يوظفها حزب الله في مناكفة باسيل وعون بدلا عنه.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن حزب الله لا يريد الدخول في مناكفة مباشرة مع التيار ومن خلفه عون وأوكل المهمة لحليفه الشيعي نبيه بري الذي تولى المهمة بنجاح.
ووقع أمين عام حزب الله حسن نصرالله في السادس من فبراير 2006 ورئيس التيار الوطني الحر آنذاك الرئيس الحالي عون تفاهما سياسيا للعمل معا على معالجة قضايا مهمة أبرزها “بناء الدولة”.
وكان دور حزب الله حاسما في وصول عون إلى السلطة في 2016، كما وفر التيار غطاء سياسيا مسيحيا مهما للوجود العسكري لحزب الله في ظل نظام المحاصصة الطائفية اللبناني.
وتعرض حزب باسيل لضغوط سياسية متنامية فنأى بنفسه عن حزب الله منذ الانهيار الاقتصادي الذي تعرض له لبنان في 2019. لكن يظل حزب الله أكبر حلفاء باسيل وأقواهم.
ومع اقتراب الانتخابات النيابية والرئاسية المقررة العام الجاري يقول محللون إن التيار الوطني الحر ربما يعدل موقفه.
ويؤكد هؤلاء أن عودة التيار إلى البحث عن تعاطف الشارع المسيحي الذي بات يسيطر عليه حزب القوات اللبنانية وسمير جعجع متأخرة.
وتراجعت نسبة الثقة في التيار داخل بيئته المسيحية التقليدية بينما نجحت كتل وشخصيات أخرى في ملء الفراغ الذي تركه، خاصة في ظل ارتهان مستقبل التيار بفرض باسيل على رأسه كونه صهر الرئيس عون.
وتشير التوقعات إلى أن أداء التيار المتراجع سيمنح خاصة حزب القوات اللبنانية فرصة التوسع على حسابه، وأن تصريحات جعجع الداعمة لإجراء الانتخابات في موعدها تخفي اقتناعه بأن بوسعه أخذ الكثير من حصة التيار.

ويشكل التوتر الطائفي المتفاقم في لبنان اختبارا لتحالف قائم بين جماعة حزب الله الشيعية والرئيس المسيحي عون، إذ قد يخسر تحالفهما أرضا لصالح منافسيه الذين يُصعّدون معارضتهم لنفوذ الجماعة المدعومة من إيران.
ويعتقد محللون أن الانقسامات التي تعمقت منذ اندلاع أعمال العنف في بيروت مؤخرا قد تصب في صالح خصم عون التاريخي، جعجع، وهو معارض قوي لحزب الله؛ إذ يُنظر إلى المقاعد المسيحية على أنها مضمار التنافس الأساسي.
وأشارت أوساط لبنانية إلى أن صراحة جعجع ومواقفه في الفترة الماضية -خاصة معارضته للنفوذ المتزايد لحزب الله- قد خدمتاه وخدمتَا القوات على حساب التيار الوطني الحر الذي ينتظر أن يحصل على نتائج مخيبة للآمال وصادمة في الانتخابات البرلمانية المقررة في مارس المقبل.
وصار التيار يشعر بأنه في عزلة داخل حاضنته المسيحية بسبب الرهان المبالغ فيه على التحالف مع حزب الله، وهو رهان مرتبط مباشرةً بمصالح عون – باسيل؛ حيث يبذل الأول كل ما في وسعه من أجل تأهيل صهره لخلافته في رئاسة الجمهورية، وهو ما وظّفه زعيم القوات اللبنانية في ملء الفراغ الذي تركه التيار وخاصة لدى حاضنته التي أصبحت أكثر اقتناعا بأهمية طي صفحة الوهم الخاصة بحماية حزب الله للمسيحيين والتحالف معهم.
وكان جعجع توقع في تصريحات سابقة أن يكون حزبه أول من يربح، وبالدرجة الثانية سيربح مستقلون لديهم السياسة نفسها، مضيفا “أشك في أن يخسر حزب الله كثيرا في بيئته، ولكن خسارته ستكون في البيئات الأخرى”.
وتعتقد الأوساط ذاتها أن كلام عون الأخير -الذي حاول من خلاله إظهار الخلاف مع حزب الله- بمثابة محاولة يائسة لإصلاح وضع التيار الوطني الحر والحفاظ على الحد الأدنى من التوازن بينه وبين حزب القوات اللبنانية منافسه المباشر في الحاضنة المسيحية، وهو يعرف أن جعجع والكتائب سيستقطبون المارونيين في تياره.
وتضيف هذه الأوساط أن الوقت فات عملية تدارك الأخطاء التي وقع فيها عون بتحالفه مع حزب الله، وأن باسيل ليس في وضع من يقدر على لملمة ما تبقى بسبب توتر العلاقات في الداخل اللبناني ومع الأطراف الفاعلة في الشأن اللبناني، خاصة الولايات المتحدة التي فرضت عليه عقوبات لارتباط اسمه بالفساد -خصوصا عندما كان وزيرا للطاقة- من جهة ولـ”العلاقة” القائمة بينه وبين حزب الله من جهة أخرى.
وتعتبر الأوساط نفسها أن جعجع أغلق على عون منافذ الانسحاب من ورطة التحالف مع حزب الله بأن دعاه في مرات سابقة إلى الاستقالة بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي قادت إلى انتفاضة الشارع في أكتوبر 2019، محملا إياه والتحالف الحاكم مسؤولية الفشل الاقتصادي ومعاناة اللبنانيين.
وقال كريم إميل بيطار رئيس معهد العلوم السياسية في جامعة سان جوزيف في بيروت “التيار الوطني الحر في مأزق اليوم. فهو يدرك بالتأكيد أن الشارع المسيحي لم يعد يتغاضى عن أي شكل من أشكال الإذعان لمطالب حزب الله”.
وذكرت دوائر سياسية مقربة من التيار أن استدارة باسيل المتأخرة للشارع المسيحي تأتي بسبب رفض حزب الله تزكيته للرئاسة لخلافة عون، وهو ما يضع لبنان أمام فراغ رئاسي متوقع مع نهاية عهدة عون في أكتوبر القادم. وتؤكد هذه الدوائر أن قرار حزب الله غير المعلن يحطم طموحات باسيل الرئاسية.