جاك لانغ: عيد الموسيقى مجازفة نجحت في الانتقال إلى مئة دولة

وزير ثقافة سابق يترك بصمته الخاصة في عيد الموسيقى السنوي.
الاثنين 2022/06/20
العيد مساحة للتواصل وربط الفنانين بالناس

باريس - كان عيد الموسيقى الذي يطفئ هذه السنة شمعته الأربعين “أكبر مصدر توتر” في حياة وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ الذي ابتكره، إذ “كان يمكن أن يؤول إلى فشل كبير”، على حد قوله، لكنّه أصبح بمثابة مؤسسة في فرنسا، وصُدّر إلى أكثر من مئة دولة.

وفي حديث معه مؤخرا يروي لانغ، الذي عينه الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران وزيراً بعد تولي اليسار السلطة عام 1981، “قلنا للناس هيا، اخرجوا، تمتعوا بالموسيقى في الشوارع، لكننا كنا نخشى أن يظلوا قابعين في منازلهم. غير أن الأمر نجح”.

جاك لانغ: محاولات تعكير بهجة عيد الموسيقى جرفتها الحركة الشعبية

نشأت الفكرة منذ شتاء 1981 في أذهان لانغ وأعضاء الفريق المحيط به، وأبرزهم المهندس المعماري واختصاصي السينوغرافيا كريستيان دوبافيون ومدير الموسيقى والرقص موريس فلوريت، والأخير هو الذي أطلق شعار “الموسيقى ستكون في كل مكان والحفلة لن تكون في أي مكان”.

شاء لانغ البالغ اليوم 82 عاماً “قلب الطاولة رأسًا على عقب”. وقال الرجل الذي برز يومها في المشهد السياسي بستراته الفاتحة اللون “العيد هو مساحة للتواصل والمشاعر والربط بين الفنانين والناس، إنه أحد مكونات مزاجي”.

ويروي لانغ أن إحدى خطواته الأولى كوزير للثقافة كانت “حضور حفلة للمغني الأميركي ستيفي ووندر”. وقال “في نظري كان ذلك طبيعياً، لكن بدا الأمر للبعض تهوراً”.

وشرح أن “السياسة الثقافية الفرنسية في تلك الحقبة كانت تركّز على الموسيقى الكلاسيكية، وبصورة أقل على الموسيقى المعاصرة، وعلى الأبحاث الموسيقية مع الملحنين بوليز وزناكيس. أما الأنواع الأخرى، كموسيقى الروك والجاز وسواهما، فلم تكن تحظى بالاهتمام”.

وانطلق لانغ آنذاك من مفهوم بسيط، يتمثل في ضرورة أن تخرج الموسيقى يوم الانقلاب الصيفي في 21 يونيو 1982، من إطار المعاهد الموسيقية وقاعات الحفلات ليعزفها الجميع. وأُطلِق المشروع بسرعة، وكثّف لانغ إطلالاته عبر وسائل الإعلام، وطُبِع أول ملصق ترويجي وحمل شعاراً كتب بالأبيض على خلفية زرقاء قوامه لعب على الكلمات، إذ جاء فيه: “فيت” (وهو اسم يعني “العيد”) ثم بين قوسين “فيت” (وهو فعل يعني “اعزفوا”) الموسيقى في 21 يونيو بين الثامنة والنصف والتاسعة مساء”. كان الوقت محصوراً بنصف ساعة فحسب، لكنّ هذه الصيغة ما لبثت أن توسعت كثيراً في السنوات اللاحقة.

ولاحظ لانغ الذي يتولى اليوم رئاسة معهد العالم العربي في باريس، أن المشروع “لم يحقق نجاحا كبيراً في العام الأول، أي 1982، لكن الناس دخلوا اللعبة، وعام 1983 شهد الانطلاقة الفعلية”.

عزف ورقص في كل مكان
عزف ورقص في كل مكان

وأعطى لانغ المثل بنفسه، مقدماً على مجازفة شخصية، فراح يعزف على البيانو في الشارع تحت مقر وزارته عام 1982، وعاود الكرّة عام 1983 على نشرة الأخبار التلفزيونية، مع أنه يصف نفسه بأنه “عازف بيانو سيئ جداً”.

وسرعان ما واجه لانغ انتقادات عندما أجريت معه مقابلة إعلامية، إذ سئل هل الوقت ملائم لهذه المبادرة في ظل ارتفاع معدّل التضخم (1982)؟ وهل الاحتفال وسيلة لصرف الانتباه عن سياسة التقشف (1983)؟ وقال لانغ في حديثه “حصل لبعض الوقت تعكير للبهجة، إن من خلفيات صادقة، أو لغايات سياسية، لكن الحركة الشعبية جرفت كل ذلك في نهاية المطاف”.

وساهم في الترويج للحدث الناشئ أيضاً سفراء قاموا بعمل لافت، كالمغني جاك إيجلان الذي عزف في شاحنة عبرت باريس. والإعلامية الإذاعية والتلفزيونية ماري فرانس بيزيه التي بادرت إلى تركيب وصلات كهربائية حول ساحة تروكاديرو في باريس لكي تتمكن فرق الروك من العزف.

وسنة بعد سنة، راحت فكرة عيد الموسيقى تتسع عالمياً، وصُدّرت إلى أكثر من مئة دولة باتت تحيي المناسبة. وقال لانغ “لقد طُلب مني أخيراً تسجيل مقطع فيديو للأستراليين، هذا لا يُصدق”.

وعدّدَ لانغ أسفاره في هذه المناسبة، ومنها إلى برلين وروما والبيرو وروسيا في بداية عهد الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيف عام 1990.

12