جائحة انهيار الاقتصاد تنعش نشاط تدوير المخلفات في لبنان

وزارة البيئة تؤكد أن كمية النفايات في ألف مطمر تراجعت بنحو 25 في المئة خلال عامين.
الخميس 2022/01/20
داخل المعمل لكل منا مهمته في إدارة أطنان القمامة

انتقل يأس اللبنانيين طيلة الأعوام الأخيرة من كفاءة الدولة في معالجة مشكلة النفايات إلى الرهان على إمكانية استغلال هذا المورد الثمين لتحقيق مكاسب مزدوجة تتضمن جني بعض العائدات المالية لمواجهة التكاليف المعيشية الباهظة، وفي الوقت ذاته دعم أصحاب مشاريع التدوير لتنمية أعمالهم.

بيروت - غيّرت الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي يمر بها لبنان نظرة الكثير من المواطنين والشركات تجاه النفايات، فبعدما كانت مجرد قمامة ترمى في المستوعبات أصبحت مصدر رزق للكثيرين رغم أن الأرضية لإنجاح الخطوة لا تزال تثير الجدل.

ويعكس هذا الواقع تزايد أعداد المواطنين الذين يقومون بجمع المواد البلاستيكية والكرتون والمعادن من الشوارع بهدف بيعها لشركات تُعنى بإعادة تدوير تلك المواد والتي يعد الاستثمار فيها مربحا مهما كانت القيمة.

وأضحى العديد من المواطنين يجمعون تلك المواد الناتجة عن استهلاكهم المنزلي وبدلا من رميها مع باقي النفايات يُقدمونها إلى مراكز مخصصة بجمع تلك المواد مقابل بدل مادي.

واعتمد لبنان على سلسلة من الحلول المؤقتة منذ خطة طارئة للنفايات في أواخر تسعينات القرن الماضي بعد انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما.

ناصر ياسين: نعمل على تنظيم الفرز واستخراج المواد القابلة للتدوير

وفي خضم الأزمات المالية المتتالية التي شهدتها البلاد وصولا إلى تفجر الاحتجاجات في أكتوبر 2019، تركت الحكومات السابقة المجالس البلدية لتعمل بما لديها من أجهزة محدودة وبدون الموارد الصحيحة أو التمويل وخاصة خارج العاصمة.

وتشير التقديرات إلى أن سعر طن البلاستيك يبلغ 350 دولارا، أما طن المعادن الأخرى مثل الألمنيوم والحديد فيصل إلى نحو 450 دولارا، بينما طن الكرتون نحو 100 دولار.

وتلك المواد يتم بيعها في نهاية المطاف إلى تجار كبار يقومون بدورهم إما بتصديرها إلى الخارج، أو يبيعونها إلى معامل تقوم بإعادة تدويرها وإدخالها في الصناعات المحلية.

ومن بين أولئك الذين وجدو في النفايات ملجأ لتوفير بعض المال لإعالة أسرته أبوخليل الذي يجر عربته يوميا في شوارع بيروت وضواحيها بحثاً عن تلك المواد التي تشكل مصدر رزقه الوحيد فيجني يوميا بين 20 إلى 100 ألف ليرة (13.2 دولار و66.4 دولار).

وقال أبوخليل لوكالة لأناضول “أبحث عن البلاستيك والكرتون والحديد في الشوارع بواسطة العربة ومن ثم أبيعها إلى مراكز الجمع المخصصة لشراء تلك المواد”.

ولفت إلى أنه في السابق كانت أعداد أمثاله الذين يعملون في هذا المجال ضئيلة جداً، أما اليوم وبسبب تردي الأوضاع المعيشية للسكان، بات كثيرون يعتمدون على جمع المواد القابلة لإعادة التدوير بهدف بيعها وكسب الرزق.

وتراجعت بشكل كبير القدرة الشرائية للبنانيين على إثر انهيار قيمة العملة المحلية على نحو قياسي مقابل الدولار بعد أن وصل سعره إلى 30 ألف ليرة بينما لا يزال في السوق الرسمية عند 1515 ليرة، في ظل أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين.

أما الشابة العشرينية مونيا، فتفضل ألّا ترمي في سلة المهملات العبوات البلاستيكية والمعدنية التي تستهلكها في منزلها، إنما تعمل على تجميعها وتسليمها إلى أحد مراكز إعادة التدوير.

وتقول مونيا إنها تعرفت على شركة تُعنى بإعادة التدوير في شهر ديسمبر الماضي. وبدأت على إثر ذلك في جمع كل أنواع البلاستيك والمعادن التي تستهلك محتوياتها.

وأضافت “أقدم تلك المواد إلى الشركة، فأحصل بالمقابل على قسائم شرائية تخولني شراء سلع من متاجر عدة في العاصمة، كما أنه بذلك أحافظ على البيئة”.

وفي الآونة الأخيرة برزت مشاريع في مناطق مختلفة تشجع المواطنين على الاستفادة المادية من المواد القابلة للتدوير بدلا من رميها بين النفايات المنزلية.

وتدير لين سراج مشروع “يلا ريتورن” الذي يضم عدة مراكز في بيروت وضواحيها لاستقبال تلك المواد الناتجة عن الاستهلاك المنزلي للمواطنين في مقابل منحهم قسائم شرائية من المتاجر الغذائية.

وتؤكد سراج أن المركز يستقبل كل أنواع البلاستيك والمعادن كعبوات المياه وعلب الأطعمة المحفوظة وعبوات المشروبات الغازية المصنوعة من الألمنيوم وغيرها.

وقالت إن “الشخص الذي يُقدم لنا تلك المواد يحصل مقابلها على قسائم شرائية تخوله شراء السلع من بعض المتاجر”.

ولفتت إلى أنه “في ظل هذه الأزمة هناك كثير من الأشخاص يلجأون إلى هذه الطريقة لتكون مصدر أساسي في تأمين حاجياتهم”.

وفضلاً عن الحاجة، فإن العديد من العائلات الميسورة تقوم أيضاً باستبدال المواد القابلة للتدوير بقسائم شرائية بهدف الحفاظ على البيئة.

مشروع "يلا ريتورن" يشجع الناس على جمع النفايات مقابل قسائم شرائية من المتاجر

كما أن بعضهم يتبرع بالقسائم التي يحصل عليها إلى جمعيات خيرية لمساعدة المحتاجين، بحسب سراج.

وتزايد أعمال فرز النفايات وفصل المواد القابلة للتدوير منها قد يشكل حلاً لأزمة النفايات التي تعاني منها البلاد منذ العام 2015، حيث يساعد ذلك في تقليل كميات النفايات التي تُرمى في المطامر والمكبات العشوائية.

ووفق تقارير رسمية يوجد في البلاد نحو ألف مكب عشوائي موزعة على مناطق مختلفة حيث يتم رمي النفايات فيها دون معالجة وتنتج عن ذلك أضرار بيئية وصحية جسيمة.

وكشف وزير البيئة ناصر ياسين أن كمية النفايات تراجعت في ظل الأزمة الاقتصادية خلال العامين الماضيين بنسبة تتراوح ما بين 20 و25 في المئة.

وأوضح أن قيمة المفروزات من المواد التي تجمع من النفايات أصبح لها قيمة أكبر مثل البلاستيك والكرتون والمعادن.

وتبرز هذه القيمة بسبب الهبوط التاريخي لقيمة الليرة مقابل الدولار، حيث أن تلك المواد تسعر وتباع بالعملة الأميركية، وبالتالي تشكل موردا ماليا هاما يسعى له كثيرون.

وقال ياسين “نعمل حالياً ضمن الاستراتيجية الجديدة لإدارة النفايات على تفعيل وتنظيم عملية الفرز واستخراج المواد القابلة للتدوير، بدلاً من رميها، سواء من خلال المواطنين في منازلهم أو من خلال البلديات”.

واعتبر أن هذه الاستراتيجية تشكل أساساً في المرحلة القادمة لمعالجة أزمة النفايات من خلال والفرز وإعادة تدوير هذه المواد.

11