ثورة مناجم صامتة على قدم وساق في السعودية

يرصد المحللون من خلال الاهتمام السعودي بصناعة التعدين أن هذا القطاع الواعد بالنسبة إلى البلد بات يفرز ثورة صامتة على قدم وساق تتضح عبر الاتفاقيات والاستثمارات والتحفيزات التي تقدمها الحكومة، خاصة بعد تعديل التقييمات الخاصة بالاحتياطيات التي تتوفر عليها البلاد وتقدر بمليارات الدولارات.
الرياض- تتزايد أهمية التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة، بينما تواجه الكثير من الدول في الأثناء عجزا في احتياطيات الموارد المعدنية التي يتطلبها هذا المسار، ولذلك يحوّل عدد كبير منهم التركيز إلى القارة الأفريقية.
لكن تبدو هذه التوجهات قديمة، فقد اتخذت السعودية خلال العام الماضي خطوات كبيرة تجاوزت قطاعها النفطي التقليدي، وقررت أن تستثمر بكثافة في استكشاف مواردها المعدنية المحلية وتطويرها.
وينقسم هذا الجهد إلى جزأين، حيث تسعى البلاد إلى تطوير مواردها المعدنية على المدى الطويل، وتطمح إلى إقامة شراكات أجنبية مع دول مثل الولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية والهند حتى تصبح مركزا عالميا للمعادن.
ووفق ما نقلته منصة أويل برايس الأميركية نقلا عن المحلل سهراب دارابشاو الذي يكتب لموقع ميتال ماينر المتخصص في المعادن، فإن الهدف العام للسعودية يتمثل في الابتعاد البطيء عن اقتصادها المعتمد على النفط.
كما أشار إلى أنها تريد الاستفادة من الطلب العالمي المتزايد على المعادن المستخدمة في التحول الأخضر، وخاصة الليثيوم والكوبالت والنيكل. وتعد هذه الموارد المعدنية حيوية في عملية التحول من الاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري إلى أنظمة مستدامة محايدة للكربون.
وتعمل السعودية على الاستفادة من مواردها المعدنية الوفيرة ومبادراتها الإستراتيجية، ويستعد قطاع التعدين ليصبح بذلك حجر الزاوية في التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة. ويمكن أن يتحقق ذلك إذا سارت الأمور وفقا للخطط التي وضعتها السعودية.
وتبرز مختلف التقارير الإعلامية أن التعدين يشغل موقعا حيويا في إستراتيجية الرياض الهادفة إلى الحد من اعتماد البلد الخليجي على النفط، مع التركيز على الاستفادة من احتياطياتها الكبيرة من الفوسفات والذهب والنحاس والبوكسيت.
وتشير تقارير إلى امتلاك السعودية كميات مهمة من المعادن التي يتطلبها انتقال الطاقة، كالألومنيوم والنحاس والعناصر الأرضية النادرة.
ووفقا لجريدة “عرب نيوز” اليومية السعودية الدولية التي تصدر بالإنجليزية، أشار تقرير المخاطر العالمية لسنة 2023 الصادر عن شركة الاستشارات ماينهوت ومقرها المملكة المتحدة إلى أن قطاع التعدين في السعودية كان من أسرع البيئات التنظيمية والصديقة للاستثمار نموا في العالم لمدة خمس سنوات.
وحدد التقرير زيادة بنسبة 138 في المئة في عدد تراخيص الاستغلال الصادرة بعد إقرار قانون الاستثمار التعديني الجديد في 2021.
وتتشبث الحكومة بمبادرة رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع اقتصاد البلد ومصادر دخله وإبعاده عن الاعتماد المفرط على النفط. وسيكون هذا التنويع مهما مع ارتفاع الطلب على المعادن الانتقالية الناتج عن التقدم في تقنيات الطاقة المتجددة وإنتاج السيارات الكهربائية.
وتوسّع السعودية قطاع التعدين حتى تؤمّن موطئ قدم ثابتا في سلاسل توريد الموارد الحيوية وتصبح مركزا عالميا للمعادن الحيوية لتحول الطاقة.
وعرضت الرياض، في إطار سعيها لتسهيل هذا التحول، تراخيص جديدة للتعدين وأقامت شراكات أجنبية، وتدل خطواتها على التزامها بتطوير احتياطياتها المعدنية الهائلة، وفق دارابشاو.
وتشمل هذه الاستثمارات التنقيب المحتمل عن الموارد المعدنية مثل النحاس والزنك والذهب، والتركيز على المعادن الإستراتيجية المهمة في إنتاج البطاريات وتقنيات الطاقة المتجددة.
وأجرت السعودية مؤخرا مراجعة لتقديراتها للموارد المعدنية غير المستغلة. ورفعت بذلك القيمة من حوالي 1.3 تريليون دولار التي كانت متوقعة قبل ثماني سنوات إلى 2.5 تريليون دولار.
ونقل تقرير صادر عن رويترز عن بندر الخريف، وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، قوله إن “قيمة الثروة المعدنية بالمملكة ارتفعت بحوالي تسعين في المئة.”
وترجع الزيادة البالغة 1.2 تريليون دولار إلى اكتشاف كميات احتياطية أعلى، وإضافة معادن جديدة إلى قائمة الموارد المحسوبة، وإعادة تقييم أسعار السلع الأساسية.
وأعلنت السعودية خلال نوفمبر الماضي عن تسع اتفاقيات استثمارية في قطاع المعادن والتعدين بقيمة تزيد عن 9 مليارات دولار.
وشهد مؤتمر الاستثمار العالمي في الرياض الكشف عن الصفقات التي تشمل شركات مثل فيدانتا الهندية ومجموعة زيجين الصينية للتعدين. ونظمت مبادرة مرونة سلسلة التوريد العالمية، المهمة في الإستراتيجية السعودية الوطنية للاستثمار، هذا المؤتمر.
ويُذكر من ناحية أخرى أن السعودية تستورد اليوم حوالي 365 ألف طن من النحاس سنويا لتلبية الطلب المحلي. وتشير التوقعات الحالية إلى أن هذه الواردات ستتضاعف بحلول سنة 2035.
2.5
تريليون دولار قيمة الموارد غير المستغلة، وهي زيادة كبيرة عن التقديرات السابقة
وكشفت شركة فيدانتا للمعادن، بقيادة الملياردير الهندي أنيل أغاروال، عن خطط لاستثمار ملياري دولار في السعودية من أجل إنشاء مرافق متطورة لمعالجة النحاس.
وستشمل المرافق الجديدة مصهرة ومصفاة بسعة سنوية تبلغ 400 ألف طن متري، إضافة إلى مصنع يمكنه إنتاج 300 ألف طن من قضبان النحاس الضرورية للكابلات الكهربائية.
وتشمل المبادرات المحلية الرئيسية الأخرى مشروع جبل صايد للنحاس، وهو مشروع مشترك بين شركة التعدين العربية السعودية (معادن) وباريك للذهب ومنجم الجلاميد للفوسفات.
وتستثمر السعودية بكثافة في الاستكشاف والمسوحات الجيولوجية، باعتماد التقنيات المتقدمة والخبرات العالمية للكشف عن رواسب معدنية جديدة.
وأعلنت الحكومة مؤخرا عن مزاد لستة تراخيص تعدين تتماشى مع قانون الاستثمار في التعدين الجديد، وستغطي رواسب الرصاص والزنك والنحاس والحديد.
وأنشأت البلاد قبل بضع سنوات شركة منارة المعادن للاستثمار (منارة للمعادن)، وهي صندوق استثماري مملوك بشكل مشترك بين شركة معادن وصندوق الاستثمارات العامة، ويهدف إلى الاستحواذ على أصول عالمية.
وسجّل الصندوق في 2023 أول استثمار خارجي كبير له، حيث استحوذ على حصة 10 في المئة من شركة فالي للمعادن الأساسية التابعة لشركة فالي، وبلغت قيمة المشروع 26 مليار دولار.
ويمثل التوجه السعودي الطموح إلى تنمية الموارد المعدنية نقطة حاسمة في رحلة المملكة نحو تنويع اقتصادها وقيادة التحول العالمي في مجال الطاقة.
وتدرج السعودية نفسها ضمن مصدري المعادن الحرجة الرئيسيين عبر استفادتها من أكثر من 2.5 تريليون دولار من الاحتياطيات غير المستغلة وتأسيس شراكات أجنبية قوية.
وتحدد رؤية 2030 إستراتيجية تفكير مستقبلي تقلل الاعتماد على النفط مع ترسيخ مكانة المملكة باعتبارها طرفا محوريا في اقتصاد الموارد المستدامة.