ثورة على قوانين الإعلام السوداني تطوي صفحة البشير

بدأت وسائل الإعلام الرسمية بالسودان تجني ثمار العملية الواسعة التي قامت بها للتخلص من الجيوب التابعة لنظام الرئيس السابق عمر البشير، وتتجاوز عقبة الكوادر الإسلامية التي فرضت هيمنتها عليها، ووجدت أصداء واسعة تتجاوب مع رؤيتها للتطوير التي تتضمن مجموعة من الخطط البرامجية والمعلوماتية المبتكرة بما يعزز الحريات.
الخرطوم - يدخل التلفزيون السوداني حقبة تاريخية جديدة مع تولي الإعلامي بهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” لقمان أحمد مهام منصبه الجديد، مديرا للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، الخميس، في وقت تجري فيه نقاشات عدة حول إمكانية تحويل التلفزيون القومي إلى هيئة مستقلة يشرف عليها المجلس التشريعي الذي سيجري تعيينه مستقبلاً.
وكشف أحمد أن إدارته ستقوم على تطوير العمل الإخباري والبرامجي، بما يضمن سلاسة تدفق المعلومات ويترجم قيم الثورة وقضايا المرحلة الانتقالية، بجانب تقوية وتأهيل الكوادر وخلق بيئة مهنية جاذبة ومنصفة.
وأبدى إعلاميون ارتياحهم لاختيار أحمد الذي يملك خبرات في الإعلام الأجنبي، ما يزيد من حجم التوقعات بالتخلص تماما من حقبة الهيمنة على الفضاء الإعلامي من جانب فلول البشير.
وتشعر الأوساط الإعلامية السودانية بالتفاؤل بعد أن تحّول التلفزيون الرسمي إلى منصة لجميع الآراء والثقافات المختلفة منذ ثورة ديسمبر التي أطاحت بالكوادر التي كانت تهيمن على الإعلام الحكومي والخاص، ما انعكس على خارطة البرامج المتنوعة التي أضحت الآن قبلة لسياسيين ومفكرين ومثقفين أصبحوا ضيوفاً عليها.
وعلمت “العرب” أن هناك جملة من القوانين يجري إعدادها لتغيير شكل الإعلام الحكومي، وأن مدير التلفزيون الجديد أجرى قبل تسلمه مهام منصبه لقاءات مع جهات دولية داعمة لحرية الإعلام لمساعدته على تحويل المنصات الحكومية إلى “إعلام حر مستقل مملوك للشعب”، ما يمهد لبناء مؤسسة عملاقة يكون لها حضور خارجي.
وقال مدير إدارة البرامج بهيئة التلفزيون السوداني، السر السيد، لـ”العرب”، إن إصلاحات الإعلام تسير بالتوازي عبر مستويات عدة، على رأسها؛ الجوانب التشريعية والقانونية، وهناك جملة من التجارب يجري النقاش حولها بشأن إمكانية تطبيقها مثل التحّول إلى هيئة مستقلة على غرار هيئة الإذاعة البريطانية.
وتثار نقاشات أخرى حول إمكانية الاستفادة من تجربة جنوب أفريقيا، حيث الإعلام الرسمي لديها على قدر كبير من الاستقلالية، على أن يكون التلفزيون تحت رقابة ممثلي الشعب، سواء كان ذلك عبر البرلمان أو من خلال لجان يجري التوافق حولها.
وأضاف السيد أن هناك تفكيرا جديا في إحداث تغييرات كبيرة داخل التلفزيون وفي المناصب الإدارية وطريقة تعيينها إلى أن يتم التوصل لمرحلة يجري فيها اختيار رئيس الهيئة بالانتخاب، وهو أمر بحاجة إلى جهود عدة لتطوير الهيكل الإداري وتنقيته من الخلايا النائمة التي لا تزال محسوبة على نظام البشير.
وتقوم فلسفة إدارة الإعلام الحكومي في السودان على توسيع مساحات حرية التعيير والالتزام بالبنود التي أقرتها الوثيقة الدستورية بشأن فتح المجال العام، ما يعني أن البلاد سوف تشهد تغييراً على مستوى تحكم الإعلام في تصاريح عمل القنوات الخاصة، عقب انطلاق أعمال المجلس التشريعي قريبا.
وتوقع السيد أن تكون هناك ثورة على قوانين البث المكبلة للحريات واستهدفت بالأساس التضييق على أي صوت معارض، وسيكون بإمكان أي جهة أو فرد الحصول على الترخيص المطلوب لإدارة وتشغيل القنوات الفضائية، مثلما الحال في النظم الديمقراطية، بجانب مراجعة قوانين المعلومات وإتاحتها للإعلاميين شرط أن لا تمس حقوق الأشخاص والدولة.
وأوضح أن التحركات القانونية توازيها أخرى على مستوى إصلاح محطات الراديو والتلفزيون عبر صناعة محتوى يتماشى مع حرية الرأي والتعبير المتاحة ويشجع على احترام التنوع وإدارته بشكل خلاّق. وتنطلق الرؤية الجديدة من إنشاء مجموعة قنوات في مجالات الأخبار والثقافة والتراث والسياحة لتكون إضافة لقنوات الدراما والمنوعات والرياضة.
ومن المنتظر أن تؤول القنوات الخاصة التي صادرتها لجنة “إزالة التمكين” إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومي بعد حسم الأمور القانونية بشأن وضعية تلك القنوات.
وقررت لجنة تفكيك نظام البشير وإزالة التمكين في شهر يناير الماضي، الحجز على أصول وحسابات قناة الشروق الفضائية، وشركة الأندلس التي تبث منها شبكة طيبة التي كانت منبراً لنشر الفكر المتطرف، وشركة الرأي العام التي تصدر عنها صحيفتا الرأي العام والسوداني.
ويتفق العديد من الإعلاميين على أن إجراءات الحكومة بشأن الإعلام استطاعت أن تضع حداً كبيراً للفوضى، غير أن الارتكان إلى إجراءات حاسمة بشأن قنوات ما يسمى بـ”الفتنة” من دون أن يوازيها وجود إعلام قوي يستطيع تعويض المساحة التي تركتها تلك القنوات سيؤدي إلى فراغ قد يوظفه أصحاب تلك القنوات من خلال إطلاق قنوات مماثلة من الخارج.
لعل ذلك ما يجعل إدارة التلفزيون الحالية تسعى للاهتمام والظهور بشكل مغاير لما كانت عليه في عهد البشير، واستبدال فلسفة الاعتماد على برامج المنوعات والرياضة لشغل أوقات الجمهور بأخرى تقوم على تبني نهج تحرري ديمقراطي يلامس القضايا ذات الصلة بالأسئلة الملحة في عقول المواطنين.
وأكد السر السيد الذي يتولى مهمة تطوير التلفزيون من الناحية العملية، أن هناك جهوداً حثيثة لتطوير البرامج من النواحي التقنية أيضاً، بما يجعلها أكثر جذباً للمشاهدين، على أن تكون تلك الخطط مرتبطة بجميع إدارات التلفزيون عبر الاعتماد على نظام الأرشفة الرقمية وتوظيف الساعات المسموعة والمرئية لتعريف المواطنين بجذورهم الثقافية التي حاول النظام البائد طمسها. وأشار إلى أن هناك توجهات نحو انفتاح التلفزيون الرسمي على المحيط الإقليمي والمشاركة بفاعلية في الاجتماعات والملتقيات والمهرجانات الثقافية التي قاطعها الإعلام السوداني لسنوات، بما ينعكس بالإيجاب على الكوادر التنفيذية التي تحتاج إلى تطوير قدراتها.
وعانى التلفزيون السوداني من أزمات مهنية عدة نتيجة انخراط العديد من العاملين في المناصب الإدارية في الأعمال الفنية والبرامجية، وتحّول بعضهم فجأة إلى مقدمي برامج وفقاً لتدخلات أذرع نافذة كانت محسوبة على نظام البشير الذي جرف الساحة الإعلامية من الكفاءات.
ويعول الكثير من المواطنين في السودان على التطورات التي يشهدها تلفزيون الدولة، ويتعاملون معها على أنها دليل على وجود التقدم الموازي للمستويات السياسية والأمنية، وأضحى التغيير العام مؤشراً على عمق التحول الذي تشهده البلاد.