ثوابت قابوس وسط بحر العرب المضطرب

الأحد 2020/01/12
رحلَ وهو مطمئنٌ

لم يكنْ يومَ حزنٍ عاديًّا في سلطنةِ عُمانْ بعدما أعلنت مسقط للعالمِ وفاةَ السلطانِ قابوس بن سعيدْ..

لقد اتشحتْ البلادُ بالسوادِ، واستعادتْ الذاكرةُ مسيرةَ قابوس الذي قادَ وطنَهُ نحو شاطئِ الأمانِ والاستقرارِ، واستطاعَ بحكمتهِ أن يوحدَ عُمان، وأن يطفِئَ فيها جذوةَ الفتنِ والصراعاتِ، وأن ينهضَ بها منذ أن تقلدَ الحكمَ في العامِ 1970م، لتكونَ آمنةً مستقرةً ومزدهرةً، تتوافدُ إليها شعوبُ العالم طلباً لما تنعمُ بهِ من سلامٍ ووئامٍ داخلي.

ارتكزَ السلطانُ قابوس في رؤيتهِ وفكرهِ السياسي على مجموعةٍ من الثوابتِ.. شكلت النظامَ السياسيَ لعُمان، انطلاقاً من التاريخِ العريقِ للسلطنة، واستناداً إلى الدينِ الإسلامي، فكانَ أن أرسى في السياسةِ الخارجيةِ "صفرَ أعداء"، وذلك عبرَ التمسكِ بالتسامح، والانفتاحِ، ورفضِ التحزبِ والانغلاق، ورفضِ سياسةِ المحاورِ الإقليمية، والاصطفافاتِ العالميةِ، فلم تكن عُمان بذلك معتديةً على أحد، ولم يتعدَّ عليها أحدٌ، وإنما كانت القاطرةَ إلى السلام، والدولةَ العربيةَ المحوريةَ في جهودِ المصالحةِ وفكِّ كربِ الرهائنِ والأسرى.

فلا عجبَ، ولا غرابةَ في ذلك..، لذا حينما ضربت الطائفيةُ المنطقةَ وخلخلت بنيانَها الاجتماعيَ، وحينما ضربَ الإرهابُ الإقليميُ وزعزعَ كياناتٍ سياسيةً عديدة، كانت سلطنةُ عُمان بمنأىً عن ذلك كلِهِ.. لأنها عبرَ قابوسِها عرفت كيفَ تديرُ الأزماتِ بحكمةٍ، بعيداً عن التسرعِ والتهورِ.

بعد أن أمّنَ السلطانُ قابوس سياستَه الخارجيةَ وأقامَ علاقاتٍ وديةً مع كلِ أقطارِ العالمِ اتجهَ إلى الجبهةِ الداخليةِ وعملَ على رفعتِها وتماسكِها من التفكك والتشرذمِ، فلا صوتَ يعلو على صوتِ القانونِ والنظام.

وفوقَ ذلك، فقد ركزَ قابوس خلال عهدِه على نهضةٍ سريعةٍ في سائرِ المجالات، التعليمِ والصحةِ والصناعةِ، فشيد مؤسساتٍ توفرَ الخدماتِ المجانيةَ لمواطنيه، وابتعثَ إلى الخارجِ أفواجاً من الطلاب، واستقطبَ استثماراتٍ جَمةً إلى بلدهِ، وبذلك عمَ الرخاءُ والوئامُ والوفاقُ الداخلي.

يغيبُ قابوس.. بيدَ أنه رحلَ وهو مطمئنٌ بعدما تركَ خلفَهُ النهجَ السياسيَ والاقتصاديَ الذي أسسَهُ طوالَ عقودِ حكمِهِ، ليكونَ المرجعيةَ التي تسيرُ عليها سلطنةُ عُمان وسط إقليمٍ مضطرب.