ثلاثية الإعلام العربي

ليس من الضرورة الأخذ بكل ما جاء في مداخلة الإعلامي المصري عمادالدين أديب في القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي مؤخرا لمعالجة معاناة الإعلام الحكومي في العالم العربي، مع أنه شخّص المشكلة بشكل دقيق وموضوعي، وفي الوقت نفسه لم ينس محاولات الإصلاح في عدد من الدول العربية منها دولة الإمارات والسعودية ومصر.
لكني لا أشك بأن عملنا – كعرب – سيكون رائعا وقيّما لو راجعنا تلك المداخلة واعتبرناها “خارطة طريق”، وركزنا على إصلاح العوامل الثلاثة التي يقوم عليها الإعلام في أي مكان في العالم وفي أي زمان وهي: المرسل، المستقبل والرسالة نفسها. هذه العوامل تعاني مشاكل وتشويش، وروعة عملنا تأتي من الهدف الأساسي لوجود هذه الوسيلة، وهي خدمة العمل الوطني لكل دولة عربية على حدة، ومن ثم العمل القومي العربي. فالإعلام لا يقل أهمية عن أي أجهزة سيادية أخرى في الدفاع عن المكتسبات الوطنية.
وتكمن أزمة الإعلام العربي من وجهة نظر عمادالدين أديب في أنها تبدأ من المرسل أو صاحب الرسالة الذي لا يملك المحتوى المقنع، فصانع المحتوى لا علاقة له بما يحدث على أرض المجتمع ولا بقضاياه اليومية، المسألة أقرب إلى تعبئة صفحات بتصريحات. وهو ما يؤثر بالتبعية على هدف الرسالة الإعلامية التي هي “لب الموضوع” فإما أن تكون مشوشة أو أنها غير موجودة أصلاً في المحتوى.
أما المستهدف بالرسالة الإعلامية كلها، وهو هنا الرأي العام العربي، فبات يشكك في هدف المرسل ومحتوى الرسالة، وبالتالي طبيعي أن يعيش إعلامنا أزمة، ويكون لجوء الإنسان العربي إلى الإعلام البديل أو السوشيال ميديا.
قد تكون تلك المداخلة قراءة شخصية لصاحبها وناتجة عن مراقبته للمشهد الإعلامي العربي، لكن لو وقفنا على حال الإعلام العربي على أرض الواقع سنجد أن أغلب الناس من مسؤولين وأناس عاديين يشتكون من دور الإعلام وأحياناً من القائمين عليه، فمنهم من يتهمه بالتقصير في تبني القضايا الوطنية وعدم قدرته على مواكبة الأحداث الكبرى التي تحدث في العالم العربي بطريقة تشبع تعطش الإنسان العربي خاصة في دولة الإمارات والسعودية ومصر، ومنهم من يراه سبب كل المشاكل والأزمات التي تحدث في المجتمع وحتى بين الدول العربية. مع أنه من الناحية الواقعية والمنطقية لا يمكن الأخذ بهذا الرأي بكل علاته كما لا يمكن تجاهله بالكامل لأن فيه جزءا من الحقيقة. وعليه يكون من المنطق مناقشة ما طرحه للوقوف على الحقيقة لتتمّ معالجتها أو على الأقل تتبع ما يقول عنه في تلك الأزمة.
النقطة التي ينبغي ألا نغفلها ونحن نتحدث عن الإعلام العربي بكل تخصصاته أنه أصبح مباحاً في الثورة التكنولوجية، وأن دمه مهدور بين الجميع، فالكل أصبح إعلامياً، وكأنه لا يحتاج إلى قاعدة نظرية بجانب المهارات الشخصية، حتى أصبح الإعلام كأنه وظيفة من لا وظيفة له فزاد من حجم المأساة وتسبب في زيادة المشاكل والأزمات وبالتالي حدة الانتقادات التي توجه له.
المراجعة التي أقصدها للمداخلة التي تمت في القمة العالمية للحكومات في دبي من منطلق أن الإعلام تزداد قوته في كل يوم، ويبدو أنه قد يتحول لأن يكون السلطة الأولى بدل ما كان يعرف بأنه السلطة الرابعة في ظل حرب المعلومات، وقد رأينا كيف تم توظيف الإعلام في فترة ما قبل الغزو الروسي في تشتيت الرأي العام العالمي قبل أن يتفاجأ الجميع بالدخول الروسي لأوكرانيا. بل قد يكون الإعلام أحد عوامل تغيير التاريخ وليس كما يقال مجرى الحدث وتتغير كل الحقائق مستقبلاً.
ما يعني أننا، كعرب، نحتاج إلى عين مختلفة لهذه الوسيلة وهذا السلاح، وهي مسألة أمن وطني للدول، حاله كحال أي مؤسسة وطنية أخرى، وبالتالي قد يكون مهماً إعادة ترتيبه وتوجيهه ليكون الذراع الترويجية لمشروعات الدول والدفاع عنها، وقد أثبت فعاليته وضرورته في مواجهة واحد من أخطر المشروعات التدميرية في الوطن العربي، وهي الفوضى الأمنية التي كانت تسمى بالربيع العربي، فهو ليس أداة لتوصيل الحدث كما نحب أن ندعي، فهذا جزء من مهامه الداخلية، ولكن في عالمنا هو أداة تغيير حقيقية.
تقاس قدرة الإعلام حالياً، حتى في السابق، بمدى تأثيره وتوجيه الرأي العام الوطني والرأي العام الآخر، وربما في الرأي العام الغربي، أكثر لخدمة سياسة الدولة وليس فقط إيصال الرسالة.