ثلاثة كتب تكشف حقائق شعرية عربية منذ الجاهلية

عمّان- صدرت حديثا للأكاديمي الأردني يوسف بكار ثلاثة كتب ضمن مشروعه في البحث والتحقيق والأدب المقارن هي “جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي بين أحمد أمين وعبدالوهاب عزام”، و”كشف اللثام عن موقف عبدالوهاب عزام من حافظ الشيرازي وعمر الخيام”، و”مصطفى وهبي التل (عرار).. أضواء جديدة”.
ويعرض بكار في “جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي” الحوار النقدي على إثر نشر أمين خمس مقالات في مجلة “الثقافة” المصرية عام 1939 بعنوان “جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي”.
وكشف أمين في دراسته أن الأدب الجاهلي كان صورة صادقة لحياة العرب في جاهليتهم، وتابعه في ذلك الأدب الأموي إلى حد كبير لأنه كان قريبا من الفترة الجاهلية. فكثير من شعرائه لم تكن حياتهم إلا امتدادا للحياة الجاهلية، وكان الذوق في العصر ذوقا عربيا يشبه الذوق الجاهلي، إلا بما لطّفته المدنية، بينما بقيت موضوعات الحياة هي هي، رغم الاختلاف، مثلا تحول الهجاء القبلي إلى هجاء سياسي.
ولكنه يرى أنه مع العصر العباسي وصراعاته، حدثت المفارقة، التي يعجب لها، إذ لا يجد مخالفة للحياة الجاهلية والأموية. وكان من مقتضى هذا التغير أن يأتي الشعر العباسي صورة صادقة لهذه الحياة الجديدة، لكن شعراء ذلك العصر اكتفوا بتغييرات سطحية ليست من الجوهر في شيء وجوهر التغيير، في رأيه، تعديل أوزان الشعر بما يتفق ورقيّ الآذان الموسيقية في العصر العباسي، ووصف الأحوال الاجتماعية والسياسية للعصر وصفا صادقا مستفيضا، وأن يصفوا مشاعرهم هم لا مشاعر غيرهم، وأن يفتحوا الفتوح في الأدب حتى يكون سجلا لأفكارهم ومشاعرهم الحقيقية، كما كان الشعر الجاهلي سجلا لأفكار الجاهليين ومشاعرهم على غير ما نجد في العصر العباسي إلا في القليل النادر.
وأهم سبب لما ذكره أمين، هو جناية الأدب الجاهلي على العصر العباسي، وذلك نتيجة غلبة المعسكر الذي يدعو إلى القديم وعدم الحيدة عنه. وزعماء هذا المعسكر، أمثال الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء وابن الأعرابي، وغيرهم.
ورد عزام على أمين بخمس مقالات بعنوان “الأدب الجاهلي”، بينما رد عليه زكي مبارك في اثنتين وعشرين مقالة في مجلة “الرسالة” جمعت في ما بعد وصدرت في كتاب بعنوان “جناية أحمد أمين على الأدب العربي”.
ويرى بكار أن مبارك أخذ على أمين التعميم والغلو لعدم التثبت والتؤدة والأناة، واختزال الأدب بالشعر وحده وإغفال النثر. ثم يسوق مواقف عزام النقدية لمقالات أمين، عارضا نماذج منها.
وفي كتاب “كشف اللثام” يتناول بكار قضيتين علميتين في آثار عزام أثيرتا دون تمحيص، تتضمن الأولى موقفه من الشاعر حافظ الشيرازي، إذ قيل إنه كان يخشى على المسلمين من تصوفه؛ والأخرى موقفه من عمر الخيام، فقد قيل إنه كان يمقته وإنه سمى أحد دواوينه “المثاني” لا “رباعيات”.
لكن بكار يرى أن الحقيقة غير هذه، فلعزام دراسة رصينة عن الشيرازي وترجمة لأربعة نصوص من شعره الصوفي، كما أنه ترجم خمس عشرة من رباعيات الخيام وكتب مقالة بعنوان “بين أبي العلاء والخيام”.
◙ بكار يبرز الصلات الأدبية العربية مع آداب الشعوب الإسلامية ومظاهر التأثير والتأثر في ما بينها.
ويعد عزام أول أستاذ للدراسات الشرقية في الجامعة المصرية، وأبرز من اهتم بشعر الشيرازي فنقل بعضا من غزلياته إلى اللغة العربية نظما، وكثيرا ما كان نظمه على وزن الأصل وقافيته وهو ما يلفت إليه بكار.
وفي كتابه “مصطفى وهبي التل (عرار).. أضواء جديدة”، يقدم بكار قراءة مغايرة في سيرة الشاعر الأردني عرار ومنجزه، عبر ستة فصول، يتناول في الأول حقيقة لقب “عرار” وعنوان ديوانه وحقيقة ريادته “الشعر الحر”. وينبه في الثاني على ما استدرك على شعر عرار ونثره وأهمية رسائله إلى صديقه محمد صبحي أبوغنيمة. ويتوقف في الثالث عند تجربة عرار في الترجمة ومدى حقيقة معرفته اللغات الثلاث (الفارسية والتركية والفرنسية)، كما يعرض لترجمة عرار لرباعيات الخيام وتحقيق مخطوطتها وما عليها من ملحوظات، مؤكدا على ريادته التاريخية المبكرة بترجمة الرباعيات عن الفارسية وغيرها.
ويخصص بكار الفصل الرابع لما لقيته ترجمة عرار للرباعيات من أصداء وأبعاد، ويكشف في الفصل الخامس حقيقة “خيامية عرار” وتحوله من “الاحتذائية المحضة كل شيء إلى العقلانية العلمية بحيث غدا عمر الخيام غير الخيام الذي تمثله أكثر الرباعيات المنسوبة إليه”. ويكشف في الفصل الأخير عن فضاءات موسيقية خمسة منسية في تجربة عرار لم يفطن إليها أحد.
ويعد بكار من مراجع الأدب المقارن في العالمين العربي والإسلامي، وتكشف قراءته العميقة للتراثين العربي والفارسي واهتمامه بلغتيهما في دراساته ومؤلفاته ونقوده المقارنة، عن جهد كبير في سياق إحياء العلاقات بين لغات العالم الإسلامي وإبراز الصلات الأدبية العربية مع آداب الشعوب الإسلامية ومظاهر التأثير والتأثر في ما بينها.
