ثقوب سوداء تبتلع أموال المساعدات في اليمن

مؤتمر المانحين تمكن من حشد 1.7 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة للأزمة الإنسانية اليمنية وهو مبلغ "مخيب للآمال" لا يلبي جزءا من احتياجات اليمنيين.
الثلاثاء 2021/03/16
جهات تمنحهم لقمة العيش وأخرى تنتزعها من أفواههم

عدن- لا تعود صعوبة الاستجابة للأوضاع الإنسانية بالغة السوء في اليمن، فقط إلى تناقص التمويل من قبل المانحين، بل يتعلّق الأمر أيضا بعمليات هدر وسوء إدارة للأموال التي يتمّ جمعها.

وتمكّن مؤتمر المانحين لليمن للعام 2021 مطلع مارس الجاري من حشد 1.7 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة للأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد المنهكة من الحرب الدائرة منذ 2014.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فور انتهاء المؤتمر أن المبلغ الذي تعهدت الدول بتقديمه “مخيب للآمال”. وقال في كلمة له خلال المؤتمر “الحياة باتت لا تطاق بالنسبة لمعظم الناس في اليمن الآن، فالطفولة هناك نوع من الجحيم على نحو خاص، إذ يتضور الأطفال جوعا”.

تدفقت المساعدات على اليمن منذ اندلاع الحرب إذ جمعت الأمم المتحدة حتى نهاية 2019 نحو 10 مليارات دولار لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلد المنكوب

بينما الحكومة اليمنية التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية كانت تتطلع إلى دعم دولي إغاثي واقتصادي لتفادي تردي الأوضاع وتضاعف الأزمة الإنسانية.

واكتفى رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك بالإشادة بدعم السعودية التي تصدرت الداعمين بمبلغ 430 مليون دولار. أما جماعة الحوثي المدعومة من إيران فقد رأت عبر المتحدث باسمها محمد عبدالسلام أن المؤتمرات الإنسانية لليمن تساعد على “تبييض صفحة” التحالف العربي.

ومنتصف 2019 أطلق ناشطون يمنيون حملة إعلامية وإلكترونية على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلامية مختلفة، تحت وسم #وين_الفلوس. وهدف الحملة التي تحظى حتى اليوم بصدى واسع هو معرفة مصير المعونات الأممية لليمن خلال سنوات الحرب وتطبيق آلية شفافة لتسليم المساعدات. ويقول المشاركون فيها إن الغذاء لا يصل للجائعين، بينما أموال المعونات تتسرب في ثقب أسود.

ونشر الناشطون مؤخرا قائمة بـ96 منظمة دولية وإقليمية ومحلية وطالبوها بالكشف عن مصير مبلغ 2.7 مليار دولار تسلمتها تلك المنظمات من المانحين منذ 2018.

مصطفى نصر: نصف قيمة المساعدات يذهب نفقات تشغيلية وإدارية ولوجستية

ورغم أنهم وجهوا نقدا للحكومة اليمنية التي تبدو عاجزة حسب وجهة نظرهم، إلاّ أنهم صبوا جام غضبهم على جماعة الحوثي التي قالوا إن معظم تلك المبالغ تذهب لمساندة ميليشياتها بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي 2019 اتهم تحقيق لوكالة أسوشيتيد برس الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة في اليمن بفساد مؤسساتها. إذ كشفت الوكالة تفاصيل بعض جوانب التحقيقات في منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، بينها اتهامات توظيف غير مؤهلين وتسخير عربات نقل أممية لحماية قيادات حوثية وحصول موظفين على أموال طائلة من مخصصات الإغاثة.

وواجهت منظمة الغذاء العالمي حينها اتهامات بالفساد من قبل ناشطين وحقوقيين يمنيين إثر نشرها تغريدة على حسابها في أكتوبر 2018 أفادت فيها أن تكلفة طبق من الفول تقدمه المنظمة تبلغ 62 دولارا.

واعتبر الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر أن إجمالي ما تم جمعه في مؤتمر المانحين لهذا العام يوضح أن منحنى الدعم الدولي للوضع الإنساني في اليمن يتراجع سنة بعد أخرى.

ويرى نصر وهو رئيس مركز الإعلام الاقتصادي أن الدعم المقدم إذا ما قورن بالدعم في السنوات السابقة يبدو متراجعا. وعزا في حديثه لوكالة الأناضول التراجع إلى تناقص الاهتمام الدولي بالحالة الإنسانية في اليمن جرّاء طول فترة الحرب إضافة إلى تداعيات فايروس كورونا وتأثيرها على الاستجابة لتخصيص موارد للحالات الإنسانية في العالم ككل.

ويؤكد نصر أن الفجوة في الاحتياج الإنساني في اليمن كبيرة جدا وتتصاعد مع استمرار الحرب، لكن الأموال الممنوحة ستلبي جزءا من الاحتياج. ورأى أن الخطورة تتمثل في أن جزءا بسيطا من هذه المساعدات يصل للمحتاجين، فيما يذهب 50 في المئة منها على شكل نفقات تشغيلية وإدارية ولوجستية.

وأضاف “في كل الأحوال يبقى دعم المانحين لخطة الاستجابة الإنسانية خطوة مهمة، واليمن بحاجة إليها في ظل الوضع الإنساني الصعب، لكن من المهم أن يتم تقييم نتائجها”.

وتشمل الانتقادات بسبب هدر المساعدات وسوء إدارتها الحكومة المعترف بها دوليا، ففي يناير الماضي أصدر فريق مجلس الأمن الدولي تقريرا تحدث فيه عن غسيل أموال واستغلال بطريقة غير قانونية للوديعة السعودية.

ويتهم فريق خبراء مجلس الأمن البنك المركزي اليمني باستغلال الوديعة في عمليات غير شفافة درت مكاسب على تجار بقيمة 423 مليون دولار. وكانت الرياض أودعت في البنك المركزي اليمني في 2018 مبلغ ملياري دولار. لكن الحكومة اليمنية نفت شبهات بالفساد شابت التعامل مع الوديعة السعودية.

الحكومة اليمنية التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية كانت تتطلع إلى دعم دولي إغاثي واقتصادي لتفادي تردي الأوضاع وتضاعف الأزمة الإنسانية

وفي الحادي والعشرين من يناير الماضي أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي حول مدركات الفساد حول العالم للعام 2020 ويغطي 180 اقتصادا.

وللعام السادس على التوالي جاء اليمن في مرتبة متدنية جدا في مكافحة الفساد إذ احتل في تقرير 2020 المرتبة 177 من أصل 180 اقتصادا. وفي هذا التقرير تفوّق اليمن على ثلاثة بلدان هي سوريا والصومال وجنوب السودان.

وتدفقت المساعدات على اليمن منذ اندلاع الحرب إذ جمعت الأمم المتحدة حتى نهاية 2019 نحو 10 مليارات دولار لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلد المنكوب. فيما أعلنت دول ومنظمات واتحادات عن مساعدات لا تقل قيمتها عن 10 مليارات دولار من أجل محاربة الفقر خلال نفس الفترة، ورغم ذلك مازال الاقتصاد اليمني يعاني من أزمات خانقة.

3