ثقل مالي قطري يسند أردوغان قبل انتخابات حاسمة

أنقرة - ألقت قطر بثقلها المالي في محاولة لإنقاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يستعد وحزبه لخوض الانتخابات العامة (الرئاسية والتشريعية) المقررة في يونيو 2023، وسط اضطرابات في المالية العامة وتوقعات بأن تفقد الليرة نحو 20 في المئة من قيمتها في العام الجديد، وهو مؤشر سلبي من شأنه أن يؤثر على حظوظ مهتزة أصلا لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية.
وقال مسؤولان مطلعان إن من المتوقع أن تشتري قطر سندات دولية تركية بقيمة ملياري دولار الشهر المقبل، تنفيذا لاتفاق سابق يهدف إلى دعم احتياطيات أنقرة من النقد الأجنبي.
وأضاف المسؤولان الاقتصاديان التركيان اللذان طلبا عدم ذكر اسميهما، أن الدوحة استثمرت بالفعل نحو مليار دولار في إطار الاتفاق الأوسع.
وسبق أن ذكرت رويترز في نوفمبر الماضي أن تركيا وقطر تجريان محادثات بشأن قيام الدوحة بتقديم تمويل يصل إلى عشرة مليارات دولار، يتضمن ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار بحلول نهاية هذا العام.
وقال أحد المسؤوليْن "مع الملياري دولار المتوقعة في الأسابيع الأولى من يناير، نكون قد حققنا الخطة الأولية التي تتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات دولار، من إجمالي استثمارات بعشرة مليارات دولار".
وتتمتع قطر بعلاقات قوية مع تركيا. وقدمت أنقرة الدعم للدوحة عندما قاطعتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر عام 2017 بسبب خلاف تم حله العام الماضي، وتعاملت مع الأزمة بمنطق الغنيمة ونجحت في تحقيق مكاسب اقتصادية وعسكرية، ما منح الرئيس التركي فرصة لتوسيع منافذه في المنطقة وإيجاد موطئ قادم ثابت في الإمارة الخليجية الغنية بالغاز.
ويأتي هذا التمويل في الوقت المناسب للرئيس التركي الذي يواجه وضعا اقتصاديا من شأنه أن يؤثر على مسار صوت الناخبين، في الوقت الذي يئن فيه معظم الأتراك تحت وطأة أزمة مالية خانقة مع تراجع حاد في قيمة الليرة وارتفاع قياسي في معدل التضخم.
ويُنظر إلى تدهور المقدرة الشرائية للأتراك على أنه سيكون عاملا حاسما في توجيه صوت الناخبين، بينما تستثمر المعارضة، وقسم كبير منها سيخوض الانتخابات ضمن جبهة موحدة هدفها عزل أردوغان، الأزمة المالية والوضع الاقتصادي المتردي لجهة تعزيز موقفها وإضعاف موقف خصمها.
ويمثل التضخم المرتفع إحدى القضايا الرئيسية التي تدور حولها الحملة الانتخابية، وقد بلغ بحسب بيانات رسمية عتبة الـ85 في المئة تقريبا، لكن مجموعة خبراء مستقلين تقول إنه ضعف ما هو معلن رسميا، متهمة السلطة بخداع الأتراك وبمحاولة رسم صورة وردية لوضع متأزم.
وساعد تدفق تمويل أجنبي هذا العام الحكومة التركية في الحفاظ على استقرار الليرة في الأشهر الماضية، فيما بدأ التضخم السنوي في التراجع بعدما تجاوز 85 في المئة، لكن الإجراءات تبدو ظرفية وهشة ويتوقع أن تنهار سريعا بمجرد توقف الدعم المالي الخارجي.
وأعلنت وزارة الخزانة التركية هذا الشهر إصدار سندات دولية مقومة بالدولار بقيمة ملياري دولار، اشترى مستثمرون من الشرق الأوسط 55 في المئة منها.
وأوضح المسؤول الثاني أن قطر لم تساهم بقدر كبير في إصدار السندات الدولية في ديسمبر الماضي كما كانت تخطط، وذلك بعد ارتفاع الطلب من جهات أخرى.
وقال هذا المصدر "يجري التخطيط لإصدار جديد في الأسبوع الأول من العام، ومن المتوقع أن تشتري قطر نحو ملياري دولار منه. ومن المتوقع تدفق بقية الأموال خلال عام 2023".
وكان الرئيس التركي أول الوافدين على الدوحة في افتتاح مونديال قطر 2022، والذي شكل فرصة بالنسبة لأردوغان للقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بينما تسعى أنقرة لتصحيح مسار العلاقات الخارجية وإنهاء سنوات من التوتر والقطيعة مع خصومها الإقليميين، على أمل فتح منافذ أوسع لتنفيس الأزمة الاقتصادية وتحويل المصالحة إلى مكاسب تدعم حزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ العام 2002، ويأمل في مواصلة الهيمنة على الحياة السياسية.
لكن وضع إسلاميي تركيا في الاستحقاق الانتخابي القادم يبدو مختلفا بشكل كبير عن عقدين سابقين في الحكم، حققوا خلال الأول منهما قفزة نوعية ونموا جامحا بدأ يتلاشى في النصف الثاني من العقد الثاني للحكم.
وتجمع معظم المؤشرات على تشكل خارطة سياسية جديدة في تركيا مع تكتل أحزاب معارضة وازنة في جبهة واحدة بهدف واحد يذهب إلى أبعد من الانتخابات، وهو عزل الرئيس رجب طيب أردوغان سياسيا.
وتراجعت شعبية الرئيس التركي بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية مع انخراطه في حروب خارجية من سوريا إلى ليبيا وصولا إلى جنوب القوقاز، استنزفت مواد الدولة المالية وسممت علاقات تركيا الخارجية، إضافة إلى قيادته أوسع حملة قمع في تاريخ البلاد منذ الانقلاب الفاشل على نظامه في صيف العام 2016.
ويسعى أردوغان جاهدا لترقيع تلك الشعبية المتهاوية، لكن عبر إجراءات تسكينية وبيانات وردية لم يعد يصدقها الأتراك الذين فقد الكثير منهم الثقة في الإعلانات الرسمية التي تناقض واقعهم المعيشي.
وتذهب بعض التحليلات إلى أن التصويت في الانتخابات القادمة سيكون على الأرجح عقابيا أكثر من كونه ثقة في أحزاب المعارضة وبرامجها.