ثقافة الخبز بين الترف وغريزة البقاء

الشعب الذي يثور من أجل الخبز لا يملك شيئا ليأكله.
السبت 2022/02/12
الخبز عنصر أساسيّ عند العرب

في واحدة من زياراتي للعاصمة الأردنية فوجئت بصديقي الرسام وهو يشتري خمس “ربطات” خبز فلم أملك سوى التعبير عن دهشتي. ضحك صديقي وقال “تلك وجبة ليوم واحد”. ذلك ما جعلني أزداد دهشة.

كان علي أن أتذكر أن المصريين يسمون الخبز عيشا. معظم الأطعمة في المنطقة لا يمكن تناولها إلا مع الخبز وإلا فإنها لن تُشبع.

بالرغم من النصائح الطبية التي تركز على خطر الخبز -وبالذات الأبيض- على صحة الإنسان فإن أي تغيير لم يطرأ على النظام الغذائي ولا يمكن توقع حدوثه إلا على مستوى قلة من الأفراد. فالخبز هو ركن ذلك النظام في العالم العربي وإن تم استبداله لدى عدد من الشعوب بالرز الذي يُسمى هو الآخر بـ”العيش” وهو يساويه خطرا حسب نظريات الأطباء.

لنتخيل أن العيش بكل مسراته إنما هو لغم يمكن أن ينفجر في أية لحظة داخل جسم الإنسان. وبالرغم من التركيز عليه في العالم العربي فإن أنواعه ظلت قليلة وبقيت محصورة في قائمة المأكولات التقليدية التي لم يجر العمل على تطويرها وإضافة نكهات لها وخلق أشكال جديدة لها. كل ذلك لا يمكن القيام به ما دام الخبز يشكل عنصرا أساسيّا على المائدة، أما في المجتمعات التي تتعامل مع الخبز باعتباره ترفا فائضا يمكن الاستغناء عنه وحتى نسيانه كما هو الحال في الغرب فالخبازون صاروا أشبه بالفنانين الذين يملكون وصفات سرية لا يرغبون في أن يشاركهم فيها أحد.

قرأت ذات مرة خبرا عن قرب تقاعد خباز الإليزيه ورغبة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في أن تمدد لذلك الخباز سنوات الخدمة بالرغم من أن ساركوزي قد لا يتناول سوى قطعة صغيرة من الخبز صباحا لو عرضت على أفراد عائلة صديقي الرسام لانفجروا ضحكا.

“أعطني خبزا” مَن قال ذلك؟ نسمع بين حين وآخر عن حدث اسمه “ثورة الخبز”. هذا معناه أن الشعب الذي يثور من أجل الخبز لا يملك شيئا ليأكله. ما يُسمى بـ”ثورة الخبز” هو ثورة جياع. هل المطلوب من الجياع أن يتفننوا في صناعة خبزهم؟ كما أن ثورات الخبز تعطي مؤشرا على مستوى الأوضاع المعيشية في الدول التي تقوم فيها.

كانت ماري أنطوانيت قد وقعت ضحية لنكتة فرنسية سلطت الضوء على جهلها بحاجة الشعب إلى الخبز. وبالرغم من كل ما يقوله الأطباء عن خطر الخبز فإن عصره لن ينتهي وسيظل مرتبطا بوجود الإنسان. فالخبز هو الكفاف ما دامت البشرية لا تملك ترف مغادرة مرحلة الحفاظ على البقاء.

20