ثغرات قانونية وراء صفقات النفايات المشبوهة في تونس

وزارة البيئة سمحت بإدخال النفايات الإيطالية دون توفر تشريع قانوني ينظم استيراد النفايات البلاستيكية من أوروبا.
الجمعة 2020/12/18
كارثة بيئية

تونس - كشفت تحقيقات حكومية تونسية عن وجود ثغرات قانونية وتشريعية سمحت بعقد صفقات لتوريد نفايات مشبوهة من إيطاليا لدفنها في تونس، وهي قضية أثارت جدلا واسعا في البلاد.

ودفعت تلك القضية الحكومة التونسية، الشهر الماضي، إلى فتح تحقيق موسع في قضية صفقة النفايات الإيطالية المشبوهة، بعد ضغوط من الشارع ووسائل الإعلام والسياسيين.

وقالت الجمارك التونسية في بيان إن وزارة البيئة تتحمل المسؤولية لسماحها بإدخال النفايات الإيطالية إلى تونس دون وجود تشريع قانوني ينظم عملية استيراد النفايات البلاستيكية من دول الاتحاد الأوروبي.

وكشفت أنه عند وصول أوّل شحنة من النفايات المقدرة بنحو 70 حاوية لميناء سوسة (وسط) في مايو الماضي، رفضت المصالح الجهوية للديوانة مطلب الرفع الفوري للفضلات لغياب تشريع وطني خاص بتوريد النفايات البلاستيكية من بلدان الاتحاد الأوروبي.

وجاء في نصّ البيان أنّ الإجراء الوقائي الذي لا تضبطه أي نصوص أو تراتيب، كان سببا في توجيه اتهامات للإدارة العامة للجمارك بتعطيل الاستثمار في البلاد إلا أنّه كان الخطوة الأولى في إماطة اللثام عن عملية تحيّل تبيّنت تدريجيا ومكنت لاحقا من درئ كارثة بيئية على البلاد.

وأثارت صفقة استيراد أطنان من النفايات الإيطالية لدفنها في تونس، جدلا واسعا في الآونة الأخيرة حيث تبين أنها فضلات منزلية غير قابلة لإعادة التدوير، فضلا عن كشفها عصابات فساد نافذة تضر بالاقتصاد المحلي عبر صفقات مضرة بالصحة والبيئة ما يفتح الشكوك حول ملف التلاعب بالصفقات العمومية.

وكشفت الجمارك أن الصفقة التي عقدت بين شركة تونسية وأخرى إيطالية تشير الوقائع إلى تورط جهات نافذة فيها، تبين أنها تحتوي على نفايات بلاستيكية لا تتطابق مع طبيعة نشاط الشركة المرخص فيه، ما اضطرها إلى إيقاف تسريح بقية الشحنات وإحداهما تقدر بنحو 112 حاوية.

وقوبلت عمليات الرفض بالتصعيد وممارسة الضغوط على المصالح الجهوية، فعوض تقديم الوثائق القانونية اللازمة، شنّ المسؤولون على الصفقة هجوما بشتىّ الأساليب، وهو ما تقول الجمارك إنه رفّع في "سلّم المخاطر والشكوك ودعاها إلى المرور من مرحلة التوقي إلى مرحلة التحرّي في الملفّ وما يمكن أن يخفيه من محاولات تضليل ومغالطة لمختلف الهياكل الإدارية المعنية".

وانتشرت ممارسات الفساد في تونس بكثرة خلال السنوات الماضية، ويرجعها محللون إلى ارتخاء قبضة الدولة في محاربة هذه الآفة، وغياب الإرادة السياسية للتصدي للممارسات الخارجة عن القانون.

ووفق تقارير هيئة مكافحة الفساد، تشهد البلاد منذ 2011 ارتفاعا ملحوظا في شبهات تضارب المصالح والفساد المالي والإداري والتهرب الضريبي، حتى أن بعضها طال صفقات أبرمتها الدولة مع شركات امتلك فاعلون في الحكم أسهما كبيرة فيها.

وكان خبراء تونسيون مطّلعون على القضية، أكدوا أن الحاويات المغلقة تضم فضلات عضوية تنبعث منها الروائح طيلة تخزينها في الميناء، وأصبحت تشكل خطرا على الأرض التي توجد فيها، وقد تتسرب إلى الطبقة المائية والتراب.

ودعا الخبراء إلى ضرورة تشكيل اتحاد دولي ضد كارثة النفايات الإيطالية، “حتى تلتزم باحترام المواثيق الدولية”.

وبعد التحري في الصفقة المشبوهة، توصلت السلطات التونسية إلى تصنيف البضاعة على أنها نفايات "بلدية مجمعة"، وتمت مراسلة مصالح الحرس المالي الإيطالي للتحقيق في القضية من جانب المصدّر الإيطالي والجمارك الإيطالية.

وكان برنامج استقصائي تبثه إحدى القنوات المحلية الخاصة كشف بداية نوفمبر الماضي عن صفقة مشبوهة تتعلق بقيام شركة تونسية بإدخال حوالي 300 حاوية من الفضلات المنزلية الإيطالية (120 ألف طن) عبر ميناء سوسة بهدف ردمها في تونس.

وأثار التحقيق موجة استنكار واسعة في تونس، حيث طالبت منظمات المجتمع المدني السلطات التونسية بالتحقيق في القضية ومعاقبة الشركة المتورطة، فيما تزايدت دعوات وضغوط الأوساط الاقتصادية والاجتماعية إلى محاسبة الأطراف المتورطة والمتواطئة في ملف صفقة استيراد النفايات من إيطاليا، حيث عبر تونسيون عن ضرورة كشف الأطراف التي أرادت تحويل تونس إلى مقبرة لنفايات الدول الأوروبية باستغلال فساد بعض المسؤولين ممن سهلوا العملية.

وإثر ذلك، أقال رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي المدير العام للوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات فيصل بالضيافي، وشرعت السلطات التونسية في التحقيق في شبهة احتواء شحنة نفايات قادمة من إيطاليا عبر ميناء سوسة لمواد ذات مخاطر عالية على البيئة والصحة العامة.

ونوفمبر الماضي، وجهت لجنة تحقيق في البرلمان التونسي اتهامات للشركة المستوردة والمتخصصة في تدوير النفايات، بنشر معلومات مغلوطة حول الشحنة، التي تضم 1200 طن من النفايات موزعة في 270 حاوية، فيما أقرت وزارة البيئة بوجود مغالطات من قبل الشركة المستوردة وانتهاكها للقوانين.

وطالب نواب في البرلمان بمحاسبة المتورطين في تحويل تونس إلى مصب نفايات سامة إيطالية واعتبار الصفقة عملية خطيرة في بعدها الصحي والاقتصادي والأخلاقي تُظهر درجة من الاستهتار بالدولة.

وكان الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للجمارك العميد هيثم زناد أكد في تصريح سابق لـ"العرب" أن وحدات الجمارك التونسية تتعرض لضغط كبير في ملف النفايات الموردة من إيطاليا، وأنها كشفت عن كل التفاصيل وطبقت القانون في ملف النفايات المستوردة، طبقا للنظام الجمركي للمؤسسات المصدرة كليا.

وقال إن "أجهزة الجمارك أحبطت في 2020 العديد من العمليات النوعية المتعلقة بالغش التجاري من بينها ضبط كمية هامة من الكمامات والمعدات الطبية مجهولة المصدر بميناء رادس موجهة للسوق التونسية وهي قضية خطيرة على الجانب الصحي".

كما أشار إلى "حجز كميات هامة من الأقراص المخدرة يصل عددها إلى 114 ألف قرص و100 كلغ من القنب الهندي".