ثغرات في اتفاق السلام تبقي أبواب القتال مفتوحة في إثيوبيا

رغم توقيع اتفاق سلام تاريخي بين الحكومة الإثيوبية ومتمردي إقليم تيغراي ينهي عامين من الاقتتال لا تزال الشكوك تحوم بشأن قدرة الاتفاق الهش على الصمود. ويقول محللون إن الاتفاق مليء بالتناقضات حيث أن خلافات كثيرة عالقة لم يتم الحسم فيها.
أديس أبابا - يشكل الاتفاق الذي أُبرم بين الحكومة الإثيوبية والمتمرّدين حول إقليم تيغراي، ويُفترض أن يضع حدًّا لحرب استمرّت عامين، “تقدمًا إيجابيًا” لكنّه يخلّف في المقابل الكثير من المشكلات معلّقة، ما يترك ثغرات الانزلاق مجددا إلى القتال مفتوحة.
وتعهد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الثلاثاء بالوفاء بالالتزامات الواردة في اتفاق سلام تاريخي أبرم قبل أسبوعين مع متمردي تيغراي، إلا أن المتمردين في منطقة تيغراي الإثيوبية اتهموا الجيش الإثيوبي بشنّ ضربة بمسيّرة استهدفت مدنيين بعد أقل من 48 ساعة على إبرام اتفاق لوقف القتال برعاية الاتحاد الأفريقي.
وينص الاتفاق المبرم في جنوب أفريقيا في الثاني من نوفمبر على نزع سلاح جبهة تحرير شعب تيغراي، واستئناف إيصال المساعدات إلى المنطقة التي تعاني من أزمة إنسانية حادة منذ اندلاع الحرب قبل عامين.
واتفق طرفا النزاع على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى “جميع من يحتاجون إليها” في تيغراي والمناطق المجاورة في شمال إثيوبيا، عقب محادثات في العاصمة الكينية نيروبي لمناقشة تنفيذ اتفاق السلام.
وردا على أسئلة نواب في العاصمة أديس أبابا، قال آبي “ناقشنا الاتفاق ووقعناه، ما هو متوقع منا بعد ذلك هو تنفيذ الوعد الذي قطعناه بإخلاص”. وحذر من أن مسارات السلام تتعثر “بسبب انعدام الثقة وعدم القدرة على تنفيذ الوعود”.
وأشار مراقبون إلى العديد من التحديات المقبلة، بما في ذلك استئناف المساعدات ومصير غرب تيغراي المتنازع عليه والذي احتلته منذ اندلاع الحرب ميليشيات من منطقة أمهرة موالية للحكومة الفيدرالية.
واتفاق السلام لا يذكر المنطقة، ما يثير مخاوف من تجدد النزاع مستقبلا. لكن آبي أكد أن القضية يمكن حلها من خلال الوسائل الدستورية، بما في ذلك احتمال إجراء استفتاء فيها.
وقال للنواب “لم نذهب إلى بريتوريا لمناقشة ما إذا كانت ولكايت (في غرب تيغراي) تعود إلى أمهرة أو تيغراي لأن المكان والزمان لم يكونا مناسبين”.
ومن ناحية أخرى، لم يشر النواب ولا آبي إلى انتشار قوات للجيش الإريتري في تيغراي ولا إلى احتمال انسحابه بعد أن قدم مساعدة حاسمة للقوات الإثيوبية. ولم تذكر إريتريا في اتفاق السلام أو الوثيقة المتعلقة بتنفيذه.
وأكد رئيس الوزراء أن حكومته والجيش الفيدرالي بصدد توزيع المساعدات في المناطق المتضررة من النزاع، وبدأ بإعادة الاتصالات والكهرباء وكذلك إعادة النازحين إلى ديارهم.
ويشير محللون إلى أن النصّ الذي تمّ التفاوض عليه في بريتوريا برعاية الاتحاد الأفريقي ونشرته الحكومة الإثيوبية، يُرجع النية الحسنة للطرفين لتسوية الخلافات المعقّدة ويهمل مسائل أخرى أو يبقى غامضًا بشأنها.
ويتساءل هؤلاء “ماذا سيكون الدور السياسي لجبهة تحرير شعب تيغراي التي كانت تدير قبل الحرب المنطقة بعدما خضعت لحكومة أديس أبابا المركزية على مدى 27 عامًا حتى وصول رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عام 2018. وماذا عن ترتيبات نزع السلاح أو وجود الجيش الإريتري في تيغراي الذي قدم مساعدة أساسية للجيش الإثيوبي؟”.
ويشرح الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في واشنطن بنجامان بيتريني أن “إرادة الطرفين والتزامهما الصادقين بحلّ خلافاتهما سياسيًا بدلًا من عسكريًا… هو الجانب الإيجابي من هذا الاتفاق”.
لكنّه يضيف أن “هناك الكثير من الأمور المجهولة… مدة المفاوضات كانت قصيرة جدًا، ما يزيد قليلًا عن أسبوع، والمواضيع الخلافية متعددة”.
على الورق، آبي حصل على كل ما يريد وليس هناك أي شيء لصالح جبهة تحرير شعب تيغراي
ومن جانبه، يرى مدير جمعية الإستراتيجيات الأفريقية باتريك فيراس أنه “اتفاق مثير للاهتمام وإيجابي لأن الطرفين جلسا إلى طاولة المفاوضات حتى لو أن كلاهما مرغم لأسباب مختلفة ومضطر إلى التوصل إلى اتفاق سلام”. إلا أنّه يشير إلى أن هذا الاتفاق “هو ‘رسالة أمنيات’ لأن تطبيقه صعب… هناك انطباع بأنه تمّ التطرق إلى كل شيء ولكن على عجل”.
ويلفت الباحث إلى أن الاتفاق لا يتضمّن “أي كلمة عن إريتريا، ولا عن قوات أمهرة أو فانو” وهي ميليشيا محلية من أمهرة.
وتحتلّ قوات منطقة أمهرة المجاورة وميليشيا فانو، حليفتا الحكومة الفدرالية، “تيغراي الغربية” منذ عامين. وتتبع هذه المنطقة الخصبة إداريًا لتيغراي ويعتبرها القوميون في أمهرة “أرض الأجداد” وقد جعلوا منها سببًا للقتال. لكن بالنسبة إلى جبهة تحرير شعب تيغراي فإنها غير قابلة للتفاوض.
ويعتبر بن هانتر، محلل الشؤون الأفريقية في شركة “فيريسك مابليكروفت” الاستشارية لتحليل المخاطر، أن “حتى لو أنه خطوة إيجابية، إلا أن الاتفاق مليء بالتناقضات وبالإغفالات المهمة” كما أنه “لا يعالج الأسباب الكامنة وراء النزاع”.
ويشير هانتر خصوصًا إلى “غياب الخطة الواضحة لحلّ مسألة احتلال تيغراي الغربية” و”ثغرة دور إريتريا” في النصّ: فالرئيس الإريتري أسياس أفورقي لم يوقّع الاتفاق ولا تزال لديه طموحات توسّعية. وتترك فكرة “نزع السلاح” الباحثين حذرين.
ويوضح هانتر أن “التزام جبهة تحرير شعب تيغراي بالتخلي عن السلاح يفترض مسبقًا أن هناك ثقة في الحكومة للإشراف على هذه العملية. لكن ذلك بعيد كل البعد عن أن يكون أمرًا موقنًا، نظرًا إلى مستوى الريبة بين الطرفين”.
النصّ الذي تمّ التفاوض عليه في بريتوريا برعاية الاتحاد الأفريقي ونشرته الحكومة الإثيوبية، يُرجع النية الحسنة للطرفين لتسوية الخلافات المعقّدة ويهمل مسائل أخرى
ويتساءل بيتريني أيضًا بشأن “الضمانات الأمنية التي تلقتها جبهة تحرير شعب تيغراي”، مذكرًا بأن القوات المتمردة “لن تلقي السلاح مقابل وعود مبهمة”.
ويضيف باتريك فيراس أن “في حال تمّ نزع سلاح جبهة تحرير شعب تيغراي، فينبغي أيضًا نزع سلاح الميليشيات والقوات الخاصة الموجودة في كافة المناطق الفيدرالية في إثيوبيا، وهذا يتطلب إصلاحًا كاملًا للنظام الأمني”.
ويقول بيتريني إن الاتفاق لا يأتي على ذكر “المسألة السياسية الجوهريّة: هل ستحتفظ جبهة تحرير شعب تيغراي بدورها كهيئة قيادية؟… هل ستسمح لها الحكومة (الفيدرالية) بإدارة المنطقة وتنظيم انتخابات؟”.
ويعبّر فيراس عن استغرابه للقليل الذي حصل عليه متمردو تيغراي الذين وافقوا على تقديم “تنازلات لتخفيف معاناة شعبهم”.
ويشير الباحث إلى أن “على الورق، آبي حصل على كل ما يريد” و”ليس هناك أي شيء لصالح جبهة تحرير شعب تيغراي”، مضيفًا “كيف سيتقبل سكان تيغراي… أن يكونوا قد دفعوا ثمنًا باهظًا منذ عامين مقابل لا شيء”.
وبدأ النزاع في تيغراي في نوفمبر 2020 عندما أرسل رئيس الوزراء الجيش الفيدرالي للإطاحة بقادة المنطقة الذين تحدوا سلطته لعدة أشهر واتهمهم بمهاجمة قواعد عسكرية فيدرالية في الإقليم.
ولا تعرف بعد حصيلة النزاع الذي شهد انتهاكات كثيرة جرت إلى حد كبير في غياب تغطية المراقبين. كما تسببت الحرب في نزوح أكثر من مليوني إثيوبي ومعاناة مئات الآلاف من أوضاع قريبة من المجاعة، وفق الأمم المتحدة.ؤ