ثغرات النظام المالي التونسي تزيد إيقاع التجارة السوداء للعملات

بطء الإصلاحات يكشف غياب الجدية في معالجة الظاهرة، والشكوك تحاصر نجاح خطط الحكومة لتقليص تداول الأموال نقدا.
السبت 2019/04/27
سوق مزدهرة في غياب الرقابة

تجمع الأوساط الاقتصادية التونسية على أن النظام المالي التونسي يشكو من ثغرات كثيرة مردها البطء الشديد في تنفيذ الإصلاحات، وهو ما جعل السوق الموازية لتداول العملة تزدهر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتتحدى كل إجراءات البنك المركزي.

تونس - يتفق معظم الاقتصاديين في تونس على أهمية الحدّ من توسّع السوق السوداء للعملات نظرا لتداعياتها الوخيمة على مستوى تقليص حجم العملة المتداولة وزيادة معدل التضخم.

ونظرا لغياب بيانات رسمية حول حجم هذه السوق، فمن الطبيعي أن تتضارب الأرقام حولها، قبل أن يحسم محافظ البنك المركزي مروان العباسي الضبابية المخيمة على الملف.

وقال العباسي في وقت سابق إنّ حجم الأموال المتداولة يبلغ 4 مليارات دينار (1.33 مليار دولار)، نصفها يتم تداولها بالمناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر.

محمد الصادق جبنون: الأفراد والشركات بحاجة للتعامل في سوق مالية متطورة وأكثر مرونة
محمد الصادق جبنون: الأفراد والشركات بحاجة للتعامل في سوق مالية متطورة وأكثر مرونة

واعتبر الخبير الاقتصادي عبدالجليل البدوي أنّه مهما كان حجم هذه الأموال في السوق السوداء، فإن من شأنها أن تخلق شحّا في السيولة لدى البنوك.

وقال لوكالة الأناضول إن “شحّ السيولة سيساهم في تزايد لجوء القطاع البنكي إلى إعادة التمويل من البنك المركزي”.

ويرى البدوي أن أول تأثير للسوق السوداء على الاقتصاد الوطني هو التضخم باعتبار أن زيادة السيولة ستساهم في زيادة الطلب وهو ما سيزيد تكاليف الاقتراض للعائلات والمؤسسات، خاصة وأن هذه السوق تتعامل نقدا ليتهرب المتعاملون فيها من الضرائب والمراقبة.

وللتصدي للسوق السوداء، خصوصا في المجال النقدي، اقترح البدوي تغيير العملة لكشف حجم الثروات الموازية، وبالتالي يقع إخضاعها للضرائب.

وتدفع السوق السوداء دائما في اتجاه تدهور قيمة الدينار، مع ما لذلك من تداعيات على الميزان التجاري.

ويؤكد الخبير محمد الصادق جبنون أن هذه السوق الموازية موجودة أساسا بمناطق الجنوب الشرقي والوسط، ما يعكس غيابا لبدائل تنموية في تلك المناطق.

وتنتشر تجارة العملة بكثرة في المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر، خصوصا جنوب البلاد، حيث توجد مكاتب الصرافة في 3 ولايات هي مدنين وقابس وتطاوين.

وتقع أغلب هذه المكاتب في مدينة بنقردان التابعة لمدنين الحدودية مع الجارة ليبيا، وينتشر قرابة 300 مكتب صرافة على الطريق المؤدي إلى معبر راس جدير الحدودي بين البلدين.

ومن السهل تمييز هذه المكاتب عن غيرها، فهي عادة ما يضع صاحب المحل صندوقا أزرق كبيرا أمام مكتبه، ويكتب عليه بالخط العريض “صرف”.

ووسط مدينة بنقردان، يوجد شارع كامل لتداول الصرافة، ويسمى هناك بـ”شارع الصرف”، وعادة ما يشهد هذا المكان اكتظاظا كبيرا من قبل الليبيين. وفي هذا الشارع بالذات، تتجاور مكاتب الصرافة مع فروع لستة بنوك تونسية.

وبالقرب من هذا الشارع تقع “الرَّحْبَة”؛ وهي نقطة يقصدها “الصَرّافَة” يوميا لشراء وبيع العملة بالجملة، ولهذا المكان تأثير كبير على أسعار الصرف المتداولة في بقية الأماكن خلال ذلك اليوم.

وتوفر مكاتب الصرافة مورد رزق لأكثر من 700 عائلة في بنقردان، فعادة ما يتداول العمل في المكتب الواحد شخصان أو أكثر.

ويقول رضوان العزلوك، وهو عامل في مكتب صرافة ببنقردان، إن هذا العمل لا يخضع حتى الآن لأي قانون منظم من قبل السلطة.

عبدالجليل البدوي: مهما كان حجم أموال السوق السوداء فإنها تمتص السيولة لدى البنوك
عبدالجليل البدوي: مهما كان حجم أموال السوق السوداء فإنها تمتص السيولة لدى البنوك

وأكد أن تجار العملة طالبوا مرارا بالدخول إلى الاقتصاد الرسمي عبر تنظيم القطاع لكن دون جدوى لأن الشروط التي اقترحتها الدولة تعجيزية.

واقترحت الحكومة على كل شخص يريد الدخول في هذا النشاط وضع وديعة في البنك المركزي بقيمة 50 ألف دينار (نحو 16.5 ألف دولار) مقابل تمكينه من ترخيص للعمل.

ويناهز حجم التداول اليومي للعملة في مكاتب الصرافة في بنقردان لوحدها 4 مليون دينار (1.33 مليون دولار) يوميا.

واعتبر جبنون أنّ ظاهرة السوق الموازية تعود أيضا إلى تكلّس منظومة الصرف التي تم إحداثها منذ 1976، والتي تمنع المواطنين من امتلاك حسابات بالعملة الصعبة.

ولفت إلى أن السوق الموازية تعتبر أكثر تنافسية من السوق الرسمية، مستندا في ذلك إلى بيانات مؤسسة التراث الأميركي، التي تشير إلى تراجع تونس إلى المركز 125 في مجال الحريات الاقتصادية وحرية نقل العملة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار الأزمة الاقتصادية للبلاد منذ 2011 وتراجع قيمة الدينار مع تزايد المضاربات على العملة، عوامل أخرى تساهم في تفاقم ظاهرة السوق السوداء للعملات.

وهناك خطط لإزالة القيود على نظام مراقبة الصرف، ما سيجعل تونس في درجة أقل تنافسية مقارنة بعدة دول مثل ليبيا وتركيا ودبي وقبرص.

ويرى جبنون أن جميع المتعاملين من أفراد وشركات في حاجة إلى التعامل في سوق مالية متطورة بنسبة كبيرة من الحرية والمرونة.

وفي ما يتعلّق بمشروع قانون إلغاء التعامل نقدا، لا يعتقد الخبير أن الإجراء مجد لأن نسبة التغطية البنكية ضعيفة، إذ أنّ 2.4 مليون تونسي ليست لديهم حسابات بنكية ولا بريدية.

11