تيم بيرنرز لي يسعى لإصلاح الويب: مبادرة عالمية لإنقاذ الإنترنت

يسعى مخترع الإنترنت تيم برنرز لي إلى تصحيح المسار الذي اتخذته الشبكة العنكبوتية التي تهيمن عليها شركات عملاقة، بإطلاق عقد جديد يدعو هذه الشركات إلى جعل الإنترنت ذات تكلفة معقولة ومتاحة للجميع.
لشبونة- أطلق تيم برنرز لي أحد رواد قطاع الانترنت، “عقد الإنترنت” الجديد الذي من شأنه أن يجعل الشبكة العنكبوتية مساحة آمنة ومتاحة للجميع، وذلك خلال افتتاحه سلسلة المحاضرات في قمة الإنترنت في لشبونة مساء الاثنين، على وقع تصفيق الآلاف من المشاركين.
ويدور محور القمة هذا العام حول الصحوة الرقمية لمعرفة إن “كانت التكنولوجيا ستقضي على الديمقراطية” أو “كيف يمكن تعزيز الثقة في عصر المعلومات الكاذبة”. وقال برنرز لي “أمور كثيرة سلكت منحى سلبيا… هناك الأخبار الكاذبة ومشكلات احترام الخصوصية والتلاعب بالأشخاص”.
وشكل هذا الفيزيائي البريطاني الذي وضع في العام 1989 تصورا “لنظام إدارة لا مركزي للمعلومات” وثيقة ولادة للإنترنت، ولاحظ أن الشبكة باتت رغم إيجابياتها بعيدة جدا عن المُثُل التي سار على ضوئها المؤسسون مثله.
وتندد مؤسسته أيضا بهيمنة جهات قليلة على الشبكة العالمية. وتستحوذ غوغل وهي من أوائل الموقعين على “عقد الإنترنت” مع جهات أخرى بينها فيسبوك والحكومة الفرنسية، على 92 بالمئة من العائدات الإعلانية المتصلة بعمليات البحث عبر الإنترنت في أوروبا.
وحذر بيرنرز لي عمالقة التكنولوجيا من أنه يجب أن يغيروا طريقة عملهم لإنقاذ العالم عبر الإنترنت من الأخطار التي أطلقوها، ودعا إلى ثورة في كيفية تنظيم الإنترنت من أجل القضاء على الإساءة والاستقطاب السياسي والأخبار المزيفة.
وأصبح بيرنز لي، منذ أن قام باختراع الإنترنت قبل 30 عاما تقريبا كمشروع جانبي أثناء عمله في مختبر سيرن للأبحاث في سويسرا، أكثر انتقادا لعمالقة تقنية وادي السيليكون مثل فيسبوك وغوغل.
يتم الترويج للعقد من خلال حملة “من أجل الويب” الخاصة بمؤسسة الويب، ويأمل تيم برنرز لي ومؤسسة الويب أن تكون المبادئ شيئا يمكن للأمم المتحدة أو مجموعة السبع اعتماده
ويدعو إلى إيجاد معايير ويب أقوى، حيث من المتوقع أن يكون أكثر من نصف سكان العالم متصلين بالإنترنت، وقال “نحتاج إلى التأكد من أن شبكة الإنترنت هذه هي شبكة الويب التي يريدها الأشخاص المتصلون بالويب، إلى جانب التأكد من إصلاح العدد الهائل من المشكلات الموجودة على الويب الحالي ومساعدة الآخرين في الاتصال بالإنترنت أيضا”.
وقد وقعت بالفعل أكثر من 50 منظمة على عقد الويب، بما في ذلك فيسبوك وغوغل والحكومة الفرنسية ومؤسسة التمكين الرقمي وغيرها، كما يدعم رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون، والملياردير ريتشارد برانسون مؤسس مجموعة فيرجن التي تسيطر على أكثر من 400 شركة.
وينبغي إصدار النسخة النهائية من العقد في شهر مايو 2019، عندما يكون أكثر من نصف سكان العالم متصلين بالإنترنت، وبعد أن يكون قد تم الاتفاق على العقد بالتفصيل.
وأوضح بيرنرز لي أنه منذ ظهور الأخبار المزيفة وانتهاكات الخصوصية وتجميع البيانات حول الأشخاص بطريقة يمكن التلاعب بها والإعلانات المضللة والحسابات المزيفة فإن شبكة الإنترنت طورت حصتها العادلة من القضايا.
ويدعو العقد الشركات إلى جعل الإنترنت ذا تكلفة معقولة ومتاحة للجميع، مع احترام خصوصية المستهلك وبياناته الشخصية، فضلا عن تطوير تكنولوجيا تدعم الأفضل بالنسبة للبشرية، كما ينص على أنه يجب على المواطنين إنشاء محتوى ويب “ثري وملائم”، وبناء مجتمعات إلكترونية تحترم الخطاب المدني والكرامة الإنسانية، بحيث يشعر الجميع بالأمان والترحاب، بالإضافة إلى “الكفاح من أجل الويب” حتى يظل متاحا للجميع.
وفيما أدى صعود شبكات التواصل الاجتماعي دورا مهما في انتفاضات ما عرف بالربيع العربي وانتخاب باراك أوباما كأول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية، اتسمت المرحلة التالية بانتشار التضليل وشبهات التلاعب خلال الحملات الانتخابية قبل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016 والتصويت لمصلحة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويتم الترويج للعقد من خلال حملة “من أجل الويب” الخاصة بمؤسسة الويب، ويأمل تيم برنرز لي ومؤسسة الويب أن تكون المبادئ شيئا يمكن للأمم المتحدة أو مجموعة السبع اعتماده، كما نظرت المنظمة في إصدار تقرير سنوي يوضح مدى التزام الحكومات والشركات بالعقد، وقال بيرنرز لي في قمة الويب “الفكرة هي أن الجميع يتحملون المسؤولية عن محاولة جعل الويب شبكة أفضل بطرق مختلفة”.
50 منظمة عالمية وقعت على عقد الإنترنت، بما في ذلك فيسبوك وغوغل والحكومة الفرنسية ومؤسسة التمكين الرقمي وغيرها
وتنتقد شخصيات كثيرة علانية حاليا تركيز الإنترنت في أيدي بعض الجهات العملاقة (غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون في الولايات المتحدة، وبايدو وعلي بابا وتنسنت وشاومي في الصين).
وباتت هذه الشركات تمارس سيطرة شبه كاملة كل في مجالها، كما تتمتع بقوة اقتصادية تترجم بسلطة سياسية قوية بعيدة عن المُثل التي كانت تحرك شبكة الإنترنت في بداياتها. وأقر بادي كوسغرايف مؤسس قمة الإنترنت والمسؤول عنها بأن القطاع يجتاز “مطبّات” حاليا، قائلا “هذه مرحلة للتفكير. كل التقنيات الجديدة تمر بمراحل متشابهة (…) مع اختراع الطباعة حل محلّ حماس البدايات مع الوقت الخوف من التبعات السلبية المحتملة. وفي نهاية المطاف سار كل شيء على ما يرام”.
وتستقطب نسخة العام 2018 من هذا المنتدى المسمى “دافوس محبي التكنولوجيا” حوالي 70 ألف مشارك بما يشمل ألفي شركة ناشئة و1500 مستثمر باحثين عن اتفاقات شراكة. ويتناوب على إدارة الندوات في هذا الملتقى حتى الخميس عدد من المسؤولين البارزين في القطاع وسيتولون دور البوصلة المعنوية في العالم الرقمي.
وسيكون من بين أبرز المحاضرين في هذه المواضيع خلال القمة كريستوفر وايلي الذي كان وراء انكشاف فضيحة شركة “كامبريدج أناليتيكا” التي كان يعمل فيها مديرا للبحوث والمتهمة بأنها استخدمت بيانات خاصة بحوالي خمسين مليون مستخدم على “فيسبوك” لأغراض سياسية.