تيك توك مالئ الدنيا وشاغل الناس

تونس لم تلجأ إلى الحل الأسهل.. لم تحجب المطر.
الجمعة 2024/11/01
ما هو المحتوى المسيء وغير اللائق

تثير مسألة حدود الحرية الشخصية جدلا واسعا بين الفلاسفة والمجتمعات. هل للحرية حدود؟ وإذا كانت لها حدود، هل تبقى حرية؟ في هذا المقال، نستعرض تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك وإنستغرام، على هذه القضية، وكيف تتعامل الحكومات مع المحتوى المسيء.

ما هي حدود الحرية الشخصية؟ وهل للحرية حدود أصلا؟ وإذا كانت لها حدود، هل تبقى حرية؟ أسئلة فلسفية أسهل إجابة ممكنة عليها كليشيه سمعناه ونحن أطفال وقرأناه في كتب مدرسية: “حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين”.

المقصود هنا أن حقوق المجتمع المتفق عليها أهم من حرية الأفراد. ولكن هذا الجواب يستسهل المشكلة ولا يحلها، فما يتفق عليه المجتمع قد يكون محل اختلاف واتهام. باختصار، هو جواب يحل مشكلة ليفتح الباب لمشاكل أخرى.

تفسير ما هو أخلاقي وما هو فاسد فتح الباب لحروب راح ضحيتها الملايين من البشر. وكان لمواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت على نطاق واسع دور في تأجيج هذا الصراع. وقد تكون منصة تيك توك من أكثر المنصات التي أثارت الخلاف. ولكن من قال إن النجاح يأتي دون ثمن؟

شهــــــادات:

لن أتحدث هنا عن الخلافات بين الشركة الصينية بايت دانس المالكة لتيك توك والولايات المتحدة التي تتهمها بأنها تشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي، بل عن الخلافات على مستوى الأفراد والجهات المعنية في مختلف الحكومات التي ترى أن تيك توك يسمح بنشر محتوى مسيء للأخلاق ويهدد أمن الأفراد والمجتمعات وسلامتهما.

في البداية، اتخذت بعض الحكومات موقفا من الشركة المالكة للمنصة وصل إلى حد حجبها كما حصل في الهند. لتكتشف أن الحجب يضر بمصلحة البلاد أكثر مما يحقق نفعا لها. ببساطة، أن تتسبب الأمطار بغرق بعض الأشخاص لا يعني بتاتا أن الحل في حجب المطر.

الآن، تكتفي الهند مثلها مثل دول عديدة أخرى بملاحقة الأفراد. على سبيل المثال، قامت السلطات الأميركية باعتقال بعض الأفراد بسبب نشرهم محتوى غير لائق على المنصة. في بعض الحالات، تم توجيه تهم جنائية تتعلق بالتحريض على العنف أو نشر مواد إباحية للأطفال.

السلطات المصرية اعتقلت عددا من المؤثرين على تيك توك بتهم تتعلق بنشر محتوى غير لائق والتحريض على الفسق والفجور. تم توجيه تهم جنائية لهؤلاء الأفراد وتمت محاكمتهم بناء على القوانين المحلية.

من جانبه، يتخذ تيك توك عدة إجراءات للتحقق من المحتوى قبل نشره لضمان الامتثال لإرشادات المجتمع والقوانين المحلية. تشمل هذه الإجراءات:

المراجعة التلقائية: باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل المحتوى الذي يتم تحميله. هذه التقنيات تبحث عن مؤشرات مثل الكلمات الرئيسية والصور والعناوين والأصوات لتحديد ما إذا كان المحتوى ينتهك إرشادات المجتمع.

المراجعة البشرية: إذا كان هناك شك في أن المحتوى قد يكون مخالفا، يتم تمريره إلى فريق من المراجعين البشريين لفحصه بشكل دقيق. هؤلاء المراجعون يتأكدون من أن المحتوى يتوافق مع إرشادات المجتمع قبل السماح بنشره.

الإبلاغ من المستخدمين: يمكن للمستخدمين الإبلاغ عن المحتوى الذي يعتقدون أنه ينتهك إرشادات المجتمع. تتم مراجعة هذه البلاغات من قبل فريق السلامة في تيك توك، وإذا تم التأكد من الانتهاك، تتم إزالة المحتوى واتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الحساب المخالف.

التعليم والتوعية: تيك توك يقدم موارد تعليمية للمستخدمين حول كيفية إنشاء محتوى يتوافق مع إرشادات المجتمع، بما في ذلك نصائح حول تجنب نشر المحتوى المسيء أو غير اللائق.

ولكن، ما هو المحتوى المسيء وغير اللائق؟

أولا، دعونا نتفق على أن هناك خلافا حول تحديد المسيء وغير اللائق من مجتمع إلى آخر، ولكن هناك بعض المعايير المشتركة التي تتفق عليها معظم الدول:

خطاب الكراهية: يشمل أيّ محتوى يحرّض على العنف أو التمييز ضد الأفراد أو المجموعات بناء على العرق أو الدين أو الجنس أو الجنسية. هذا النوع من المحتوى يُعتبر مسيئا في معظم الدول.

العنف والتحريض على العنف: يشمل أيّ محتوى يشجع على العنف أو يصف أعمال عنف بشكل مفرط. هذا النوع من المحتوى يُعتبر مسيئا ويُحظر في معظم الدول.

المعلومات المضللة: تشمل نشر الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة التي يمكن أن تسبب ضررا للمجتمع أو الأفراد. هذا النوع من المحتوى يُعتبر مسيئا في العديد من الدول، خاصة إذا كان يتعلق بالصحة العامة أو الأمن القومي.

انتهاك الخصوصية: يشمل أيّ محتوى ينتهك خصوصية الأفراد، مثل نشر صور أو معلومات شخصية دون إذن. هذا النوع من المحتوى يُعتبر مسيئا ويُحظر في العديد من الدول.

المحتوى الجنسي الصريح: يشمل المواد الإباحية أو أي محتوى جنسي غير لائق، خاصة إذا كان يستهدف القاصرين. هذا النوع من المحتوى يُحظر بشكل صارم في العديد من الدول.

وتتخذ معظم دول العالم موقفا صارما ضد المحتوى الذي يروّج للدعارة مدفوعة الثمن، وتعتبره غير قانوني ومسيئا. تختلف الإجراءات والعقوبات من دولة إلى أخرى، ولكن هناك بعض النقاط المشتركة مثل إزالة المحتوى الذي يروّج للدعارة مدفوعة الثمن من منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.

وقد تشمل العقوبات القانونية الغرامات المالية والسجن للأفراد الذين ينشرون أو يروّجون لهذا النوع من المحتوى. في بعض الدول، يمكن أن تصل العقوبات إلى السجن لعدة سنوات وغرامات مالية كبيرة.

وتتعاون الدول مع بعضها البعض من خلال منظمات دولية مثل الأنتربول لمكافحة الجرائم المتعلقة بالدعارة مدفوعة الثمن عبر الحدود. هذا التعاون يساعد في تعقب وإيقاف الشبكات التي تروّج لهذا النوع من المحتوى.

قد نختلف حول نقاط محددة خاصة على حجم العقوبات المفروضة وطبيعتها ولكن لن نختلف حول حق الدول في سن قوانين تكفل حماية الفرد والمجتمع. فالوقوف ضد هذه القوانين قد ينقلنا دون أن ندري من موقع المدافع عن الحقوق والحريات إلى الطرف المعادي والمسيء للحقوق والحريات.

للأسف، هذا ما رأيناه بوضوح في الحالة التونسية. ما أن أصدرت وزارة العدل أوامر بملاحقة صناع المحتوى “الهابط والخادش” للأخلاق على تطبيقي تيك توك وإنستغرام واتخاذ إجراءات قانونية ضدهم، حتى سارع بعض (المدافعين) عن الحريات الشخصية لتوجيه الانتقاد للإجراءات الحكومية المتخذة، دون أن يتحققوا تماما من حجم الإساءات ومن نوعها، وقبل إصدار أيّ حكم.

وكانت وزارة العدل في تونس قد أذنت للنيابة العامة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد كل من يتعمدّ إنتاج أو عرض أو نشر بيانات أو بث صور ومقاطع فيديو تحتوي على مضامين تمس من القيم الأخلاقية.

وكان رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس قد نشروا تدوينات تستنكر “المحتوى” الذي يقدمه بعض الناشطين على منصة تيك توك والذي يرون فيه انتهاكا للأخلاق. وتعالت الانتقادات ضد صنّاع المحتوى، بعد انتشار مقاطع فيديو غير أخلاقية وتحوّل تطبيق تيك توك إلى منصة للسب والشتم ووسيلة للتسول، وسط مطالبات للدولة بالتدخل والقيام بدورها الرقابي من أجل محاربة المحتوى المسيء والحفاظ على الذوق العام. مؤكدين أن هذه المنصة أصبحت وسيلة سهلة لكسب المال بطرق غير مشروعة.

وتحتوي المنصات، ومن بينها تيك توك وإنستغرام، على محتويات قد تلحق الأضرار بالمراهقين. وتشير الدراسات إلى أن التطبيق قد يعرّض المراهقين لمحتوى يتعلق بالانتحار واضطرابات الأكل في غضون دقائق من استخدامه، حتى دون الحاجة إلى إنشاء حساب. هذا النوع من المحتوى يمكن أن يؤثر سلبا على الصحة النفسية للمراهقين ويزيد من مخاطر اضطرابات الأكل وعدم الرضا عن الجسم.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت تحقيقات داخلية أن بعض القاصرات يتلقين “هدايا” و”عملات” مقابل تقديم محتوى غير لائق على التطبيق، مما يزيد من المخاطر المتعلقة بالسلامة الشخصية. كما أن تيك توك قد صُمّم ليكون “آلة إدمان”، مما يجعل المستخدمين يقضون وقتا طويلا على التطبيق، وهو ما يمكن أن يؤثر سلبا على حياتهم اليومية وأدائهم الأكاديمي.

◄ تواصل اجتماعي أم إدمان
تواصل اجتماعي أم إدمان

رغم ذلك، تحسب لمنصة تيك توك جوانبها الإيجابية، فهي مثل أيّ منصة أخرى، لها وعليها. من بين من يرى الجانب المضيء للمنصة نذكر:

ويل سميث: “تيك توك هو المكان الذي يمكنني فيه أن أكون نفسي وأشارك لحظات ممتعة مع جمهوري”.

جيمي فالون: “تيك توك هو منصة رائعة للإبداع والمرح، وأنا أحب التفاعل مع المعجبين من خلالها”.

جيسون ديرولو: “تيك توك غيّر حياتي. لقد أعطاني فرصة للتواصل مع جمهوري بطرق جديدة ومبتكرة”.

لذلك لم تلجأ تونس إلى الحل الأسهل.. لم تحجب المطر. بل تدخلت لفرض رقابة على ما ينشر حفاظا على الفرد التونسي والقيم التونسية والمجتمع التونسي. المنصات الاجتماعية، إلى جانب فوائدها الكبيرة التي لا تقبل الجدل، لها عيوبها أيضا.

12