تونس في حالة ترقب استباقية لعودة المقاتلين من سوريا

تونس – بات الحديث عن عودة المقاتلين المتشددين من سوريا محور الجدل في تونس، والأصداء الإعلامية وفي مواقع التواصل الاجتماعي كبيرة حتى قبل رصد أي حالة لمثل هذه العودات المفترضة.
ويطالب محللون ونشطاء السلطات التونسية بالتحرك دبلوماسيا وأمنيا لتحصين البلاد من عودة مجموعات من المقاتلين من سوريا.
لكن التحرك تعترضه عدة عقبات منها أن الجهات الأمنية لا تمتلك أرقاما واضحة عن أعداد هؤلاء المقاتلين، والأعداد الموجودة قديمة وتحتاج إلى تحيين، خاصة أن الكثير منهم قتل في الحرب الأهلية السورية، وليس معروفا عدد المسجونين منهم في سوريا.
كما أن السلطات لم تحصل على بيانات دقيقة من الحكومة السورية السابقة، ومن الصعب أن تجد إجابة واضحة لدى الحكام الجدد وسط مخاوف تونسية من أن يتم التعامل مع هؤلاء المقاتلين كثوار ويتم إطلاق سراحهم وتسهيل سفرهم إلى بلدان مختلفة خاصة إلى ليبيا، حيث يمكن أن يستفيدوا من الهشاشة الأمنية والسياسية ليتسللوا إلى تونس عبر مسالك التهريب.
مخاوف من تولي جهات إقليمية تحريك المقاتلين العائدين من سوريا لإرباك الوضع السياسي في تونس ضمن مقاربة أشمل تسعى لإحياء موجة "الربيع العربي"
وحث المحلل والخبير الأمني التونسي خليفة الشيباني على “وضع خطة كاملة للتوقي من الإرهاب” تضع في الاعتبار عودة هؤلاء المقاتلين الذين تقدر بعض الأرقام أن عددهم حوالي 3 آلاف شخص.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه “بعدما فتحت السجون السورية، لا بد من برنامج تواصلي مع القيادة الجديدة في سوريا بشأن مصير المقاتلين التونسيين.”
وكان المرصد التونسي للدفاع عن مدنية الدولة حذر الثلاثاء من “العودة الكثيفة للتونسيين الذين يعدون بالآلاف والذين تم تسفيرهم من تونس بطرق مختلفة إلى سوريا” للقتال ضد نظام الأسد.
ودعا المرصد السلطات إلى توخي الحذر الشديد من عودتهم إلى تونس لما يمكن أن يمثلوه من خطر على مدنية الدولة وأمن البلاد.
وأشار المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إلى أن “هناك تغييرا في وضع أفراد تلك المجموعات، فلما دخلوا سوريا نعتوا بأنهم إرهابيون، والآن ما يجري في سوريا يسمى ثورة، وبالتالي اكتسب هؤلاء صفة الثوّار.”
ودعا ثابت في تصريح لـ”العرب” إلى “تجميع المعلومات حولهم مع القيام بعمل مخابراتي كبير، لأنهم كانوا موجودين في جبهات القتال وواجهوا بالسلاح أجهزة رسمية، والمخاوف من إمكانية عودتهم قائمة.” وتابع ثابت “لا نعلم انتماءاتهم، ولكن المتابعة مطلوبة من جانب حقوقي مع إجراءات استثنائية وجب اتخاذها، وسلطة القضاء يفترض أن تشرف على الملف.”
ولا توجد معلومات مؤكدة حتى الآن عن خروج سجناء تونسيين من السجون السورية ولا عن أعدادهم، وهل أن بعضهم عمل مع هيئة تحرير الشام المسيطرة الآن في دمشق أو لم يعمل؟ وهل ستعترف بدورهم وتصنفهم ثوارا في حين أنها تحرص على الظهور بمظهر الجماعة السورية؟
ويرى متابعون للشأن التونسي أن المهم في الموضوع هو ضرورة الاستعداد الأمني والسياسي للتعامل مع عودة هؤلاء، وأخذ الأمر على أنه قضية حساسة في ظل مخاوف من أن تتولى جهات إقليمية تحريك هؤلاء لإرباك الوضع السياسي في تونس ضمن مقاربة أشمل تسعى لإحياء موجة “الربيع العربي” بشكل جديد مستفيدة من إسقاط الأسد والاهتمام الدولي بما يجري في سوريا وتركيز الأضواء على المسلحين الإسلاميين وبراغماتيتهم و”اعتدالهم”.
دعوات إلى توخي الحذر الشديد من عودتهم إلى تونس لما يمكن أن يمثلوه من خطر على مدنية الدولة وأمن البلاد
ويحيل موضوع المقاتلين التونسيين في سوريا إلى ما يعرف بقضية التسفير، التي نشطت في السنوات الأولى للثورة عندما كانت حركة النهضة في الحكم. وإلى حد الآن لا تزال هذه القضية مثار جدل سياسي وقضائي، خاصة بعد اتهام قادة بارزين من حركة النهضة بتسهيل عملية التسفير.
وتشير تقارير في 2017 إلى أن عدد المقاتلين التونسيين الذين شاركوا في الحرب السورية حوالي ثلاثة آلاف، لكن تقارير أمنية أخرى تحدثت لاحقا عن عودة المئات إلى تونس وإيداع عدد منهم السجون فيما جرى إخضاع آخرين إلى الرقابة الإدارية والأمنية وإجراءات المنع من السفر.
ويمكن أن توفر عودة المقاتلين المتشددين إلى تونس، وإجراء تحقيقات معهم، إجابات أكثر دقة بشأن ملف التسفير والجهات التي تقف وراءه محليا وإقليميا، وهو ما من شأنه أن يساعد على إغلاق الملف قضائيّا، لكن من دون الاستهانة بهذه العودة، مع ضرورة وضع خطة تفصيلية لكيفية التعاطي معهم، مثل تخصيص سجن خاص لاستقبالهم ومنع تواصلهم مع سجناء الحق العام، وإعداد آلية للتحرك الإعلامي للرد على الحملات التي ينتظر أن تسعى لإثارة الشكوك والانتقادات حول أداء المؤسسة الأمنية أثناء التحقيقات.
وحذر الشيباني من أن “هناك إعادة انتشار للإرهاب والمقاتلين من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا، وأيضا دول الساحل الأفريقي، وعلينا أن نعرف أن وراءهم أطرافا دولية تتحكم فيهم، والإرهاب ظاهرة دولية، وهناك جهود تقوم بها تونس وأخرى إقليمية ودولية.”