تونس تواصل جهود رقمنة رصيدها السينمائي وإنقاذه

المرحلة السادسة ستنظم في أكتوبر المقبل لتختتم بذلك مرحلة نقل الأشرطة السالبة والتي تعتبر أهم مراحل الإنقاذ.
السبت 2023/09/30
تحرك لحماية ذاكرة الوطن

تونس - أحيت السينما التونسية العام الماضي مئويتها، ورغم أن التجارب السينمائية الأولى تعود إلى قرن مضى إلا أن آثارها لا تزال مغيبة، لا تحظى بالحفظ والترميم، وحتى الولادة الفعلية للسينما التونسية التي بدأت مع الراحل عمر الخليفي في العام 1966 وما تلاها، تظل حبيسة أدراج الأرشيف المهملة في مخازن قمرت الواقعة في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس. كذلك أرشيف التلفزيون الرسمي والآلاف من الوثائق النادرة عن تاريخ البلاد كانت في طريقها إلى الاندثار، جراء عقود من الإهمال.

ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه والتمكن من رقمنة أرشيفها السمعي والبصري، في ظل المنافسة العالمية والعربية الكبرى في هذا المجال، تقود وزارة الثقافة التونسية منذ نحو العام حملة موزعة على مراحل لنقل الرصيد السينمائي من مقره الأصلي بخزينة الأرشيف السينمائي بقمرت إلى دار الكتب الوطنية، منها عملية تمت الثلاثاء لتأمين نقل الدفعة الخامسة بما يناهز الـ1190 علبة شريط أصلي سالب من مجموع 6 آلاف تمثل العدد الجملي لهذه الأشرطة.

ويأتي قرار إنقاذ الرصيد السينمائي في إطار إستراتيجية وزارة الشؤون الثقافية في المحافظة على ثراء المخزون السينمائي وحماية الذاكرة الوطنية من كل أشكال الإتلاف.

ومنذ سنوات، يطالب السينمائيون التونسيون بضرورة حفظ الأرشيف السمعي البصري وإنقاذه من الاندثار بسبب الظروف التي كان محفوظا فيها والتي لا تراعي الشروط التقنية. ووعد أكثر من وزير للثقافة بتحقيق هذا المطلب الذي لا يتعلق بتاريخ السينما فقط بل بتاريخ تونس وذاكرتها. وبعد زيارة وزيرة الشؤون الثقافية حياة القرمازي إلى مخابر قمرت بمناسبة الإعلان عن احتفالية مئوية السينما التونسية العام الماضي تم اتخاذ قرار نقل الأرشيف والبدء في تبويبه ورقمنته.

◙ إستراتيجية للمحافظة على ثراء المخزون السينمائي وحماية الذاكرة الوطنية من كل أشكال الإتلاف
◙ إستراتيجية للمحافظة على ثراء المخزون السينمائي وحماية الذاكرة الوطنية من كل أشكال الإتلاف

عملية الإنقاذ الفعلي انطلقت في فبراير الماضي، تحت إشراف المؤسسة العسكرية، بنقل حوالي الألف شريط أصلي (سالب)، وكانت وزارة الشؤون الثقافية قد أعلنت حينها أن وتيرة نقل الأرشيف ستتواصل بمعدل 500 علبة فيلمية أسبوعيا إلى حين استكمال المخزون الذي يتجاوز الـ30 ألف علبة فيلمية، حيث يضم الأرشيف الوطني السينمائي والسمعي البصري أشرطة وثائقية وسينمائية وكذلك أشرطة إخبارية.

وقد تمّت تهيئة أربعة طوابق وتجهيزها في دار الكتب الوطنية لفائدة المركز الوطني للسينما والصورة من أجل نقل الأرشيف السينمائي وحفظ الذاكرة الوطنية، ومن ثم التعهد بعملية الرقمنة لتثمين هذا الإرث الثقافي والسينمائي واستغلاله.

ووفق ما نشرته وزارة الشؤون الثقافية على صفحتها الرسمية، ستؤمن المرحلة السادسة في موفى شهر أكتوبر المقبل بنقل ما يقارب الـ1300 فيلم سلبي، لتختتم بذلك مرحلة نقل الأشرطة السالبة والتي تعتبر أهم مراحل الإنقاذ، لينطلق الفريق فيما بعد في رقمنة الجزء المنقول ومواصلة تأمين نقل العلب الفيلمية.

ورغم عمليات النقل المتوالية، لم تعلن الجهات الرسمية عن نتيجة تقرير الخبراء الذي كانت المكتبة السينمائية التونسية أعلنت عنه منذ سنوات، وقالت إنهم ينظرون في الأرشيف الذي يعود جزء كبير منه أيضا إلى الجامعة التونسية للسينمائيين الهواة التي يعود إليها الفضل في الحراك السينمائي التونسي، وتنشط في هذا المجال منذ العام 1962 وخرج منها أشهر السينمائيين التونسيين.

وتتم عملية إنقاذ الأرشيف السينمائي بدقّة بالغة، إذ تتم معالجة العلب الفيلمية باختبار قياس الحموضة لكل شريط، وتتزامن عملية اختبار الحموضة مع عملية الجرد والتصنيف، ثم الفرز لكل المخزون السمعي البصري.

◙ السينمائيون التونسيون طالبوا بحفظ الأرشيف السمعي البصري وإنقاذه من الاندثار بسبب الظروف التي كان محفوظا فيها والتي لا تراعي الشروط التقنية

وللتذكير، فقد كان الإعلان عن ميلاد الخزينة الوطنية للسينما التونسية بمقرها الجديد بدار الكتب الوطنية يوم الثامن من فيفري 2023، بعد تخطي مراحل المعالجة والترميم والفهرسة للأرشيف السينمائي الوطني في مقره القديم بضاحية قمرت، ليتم نقل هذا المخزون الكبير إلى فضاءات مهيأة وتستجيب لشروط الحفظ العلمية.

وكان التونسيون قد أملوا خيرا في أن تكون المكتبة السينمائية "السينماتيك" حافظة حقيقية للثروة الوطنية السينمائية والوثائق السمعية البصرية منذ افتتاحها في شهر مارس 2018، لكنها تحولت في نظر الكثيرين إلى صالة عرض سينمائي وقاعة لعقد الندوات الصحفية والفكرية، وهي التي تعرّف نفسها بأنها “متحف حي، تهدف إلى إعطاء قيمة للمدونة السينمائية بترميمها وتقديمها للجمهور وبصفتها موقعا للتواصل والمقاومة والذاكرة، توفر للأجيال المتعاقبة إرثا من الصور قصد التقاسم"، وهو ما دفع مستشارها الفني السابق محمد شلوف إلى الاستقالة من منصبه.

ويشمل الأرشيف السينمائي في قمرت عدة أفلام طويلة وقصيرة وتسجيلات لأخبار تونس من سنة 1956 إلى سنة 1980 والتي تم تحميضها في المخبر. وفق التقدير الخاص للمدير الفني للمكتبة السينمائية هشام بن عمار، فإن الأرشيف يتضمن 250 فيلما طويلا وألف فيلم قصير تم إنتاجها في تونس منذ سنة 1960، إضافة إلى قرابة 600 مجلة إخبارية تونسية أسبوعية أنتجت على امتداد 25 سنة (1956- 1980).

14