تونس تواجه معركة فاصلة لوقف تضخم الدين العام

عمقت قلة الموارد تحديات ارتفاع الدين العام في تونس رغم تحقيق الحكومة فائضا نادرا في الموازنة، ما يفاقم احتياجات التمويل، ويعقّد الحصول على دعم بينما تطغى التجاذبات السياسية في البلد الذي يكافح بكل الوسائل لتخفيف أزماته الاقتصادية المتراكمة.
تونس- اتخذ الدين العام في تونس منحنى تصاعديا رغم مفارقة تسجيل فائض في الموازنة خلال الربع الأول من 2022، مما قد يجعل من الوضع المالي للبلد أكثر قسوة خلال ما تبقى من العام في ظل البطء في تقديم التحفيزات اللازمة لإنعاش الاقتصاد المنهك.
وتكشف أحدث الأرقام الرسمية أن الدين الحكومي لا يزال يسير بوتيرة مثيرة للقلق بعدما نما بواقع 8.6 في المئة بنهاية مارس الماضي مع استمرار عجز الإيرادات عن تغطية النفقات المتزايدة.
وتعطي البيانات التي أظهرها تقرير حديث نشرته وزارة المالية والاقتصاد الأحد الماضي نظرة فاحصة بشأن التحديات، التي تواجه الحكومة من أجل الالتزام بسداد القروض وفوائدها، والتي تشكل عائقا أمام نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير إلى أن الدين العام بلغ نحو 105.7 مليارات دينار (35 مليار دولار). وهو يتوزع بين دين داخلي بنحو14.4 مليار دولار، ودين خارجي بقيمة 21.57 مليار دولار.

وكالة فيتش: تأخر الاتفاق مع صندوق النقد يزيد الضغوط على السيولة
ولئن كانت مسألة تضخم الدين العام أمرا يبدو عاديا، إلا أن السياسات التي اتبعتها كل الحكومات في العشرية الأخيرة تجعل النظرة لما يحدث اليوم مختلفة كون محددات قياس تعافي النمو لا تسير على النحو الأمثل في ظل تتالي التحذيرات من خطر يتربص بالاقتصاد.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية، زادت من حدتها تداعيات الأزمة الصحية العالمية، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الأزمة في شرق أوروبا.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد قال الشهر الماضي إن الحكومة “بحاجة إلى تمويل إضافي يبلغ 5 مليارات دينار (1.6 مليار دولار) هذا العام بسبب آثار الحرب في أوكرانيا”.
وسيرفع ذلك احتياجات التمويل هذا العام إلى 8.2 مليار دولار، مما يزيد من الضغوط على المالية العامة للبلاد التي تعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية.
وتتوقع المؤسسات المانحة أن يصل الدين العام إلى مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، في ظل غياب إطار واضح للإصلاحات على المدى المتوسط.
لكن البنك المركزي يبدو أكثر تفاؤلا حيث يرجح أن يصل حجم الدين العام إلى 84 في المئة هذا العام على أن يواصل الارتفاع ليبلغ 84.7 في المئة في 2023.
ورغم المخاطر المحيطة بالمالية العامة فقد قالت رئيسة الحكومة نجلاء بودن مطلع مايو الماضي إن بلدها نجح في “سداد الديون الداخلية والخارجية للبلاد”، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة “الإصلاحات العميقة”.
وظلت حاجات التمويل العام الماضي تتراوح بين 14 و18 في المئة بمقارنة سنوية استنادا إلى تقرير أعده خبراء البنك الأفريقي للتنمية حيث لفتوا إلى أن الدين الخارجي يشكل 70 في المئة من الدين العام مواصلا نسقه التصاعدي الذي بدأ في 2011.
وتؤكد الأوضاع الراهنة أن السياسات المتبعة لتخفيف المشاكل المتنوعة التي يعاني منها البلد لم تسفر حتى الآن عن نتائج إيجابية ملموسة ما قد يفاقم الصعوبات لتعديل أوتار المؤشرات السلبية.
وفي محاولة لتجنب الانهيار المالي، الذي يستبعده البعض، تسعى تونس إلى الحصول على قرض بنحو 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي مقابل إصلاحات يرى كثيرون أنها لا تحظى بقبول شعبي، بما في ذلك تخفيض الإنفاق وتجميد الأجور وخفض الدعم.

بلحسن شيبوب: فاتورة شراء الغاز قد تصل هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار مقارنة مع 1.5 مليار دولار العام الماضي
ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية بالبلاد ذات التأثير القوي، هذه الإصلاحات، وهو يتجه لتنفيذ تهديداته بالقيام بإضراب عام في المصالح العامة والشركات الحكومية منتصف هذا الشهر.
وفي مارس الماضي، خفضت وكالة فيتش تصنيف تونس السيادي من بي- إلى سي.سي.سي. وقالت حينها إن “هذا التصنيف يعكس مخاطر السيولة المالية والخارجية المتزايدة في سياق المزيد من التأخير في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد”.
ويأتي ارتفاع حجم الدين العام رغم أن الحكومة سجلت فائضا نادرا في الموازنة في الفترة الفاصلة بين يناير ومارس الماضيين بقيمة 104 ملايين دولار مقابل عجز بحوالي 283.2 مليون دولار قبل عام.
وأرجعت وزارة المالية في وثيقة بعنوان “النتائج الأوّلية لتنفيذ ميزانية الدولة لسنة 2022” هذا الفائض إلى زيادة الإيرادات بنحو 20 في المئة لتبلغ حوالي 3.1 مليار دولار نتيجة نمو مداخيل الضرائب بواقع 14.2 في المئة وعوائد غير جبائية بنحو 177 في المئة.
ولكن الوزارة ذكرت في المقابل أن أعباء الموازنة زادت بشكل محدود بواقع 3 في المئة أي بما يقدر بحوالي 2.95 مليار دولار نتيجة نمو حجم الإنفاق بحوالي 16 في المئة وزيادة فوائد الديون بواقع 13.5 في المئة.
ويفضي ارتفاع فوائد الديون إلى التقليص من باقي الاعتمادات الموجهة للتنمية، حيث تظهر البيانات تراجع موارد الخزينة في الربع الأول بنسبة 30 في المئة لتبلغ 700 مليون دولار على أساس سنوي، بعدما تم تخصيص المبلغ لسداد أصل ديون حان أجل استحقاقها.
وتجمع الترجيحات على أن يتسع عجز الحساب الجاري إلى 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، مقابل 6.8 في المئة بحسب التوقعات الأولية، خاصة مع انخفاض الدينار بنسبة سبعة في المئة أمام الدولار.
كما أن عجز الموازنة من المتوقع أن يزيد إلى 9.7 في المئة هذا العام مقارنة مع توقعات سابقة عند 6.7 في المئة بسبب قوة الدولار والزيادة الحادة في أسعار الحبوب.
وتتزايد المخاوف بشأن اتساع العجز التجاري التونسي جراء الارتفاع السريع لفاتورة استيراد الطاقة والغذاء، وسط محاولات حكومية لتسريع مواجهة تفاقم اختلال التوازنات المالية، التي تتطلب علاجات عاجلة.
وكان بلحسن شيبوب مدير انتقال الطاقة بوزارة الطاقة قد قال لرويترز الشهر الماضي إن “فاتورة شراء الغاز قد تصل هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار مقارنة مع 1.5 مليار دولار العام الماضي” في ظل الارتفاع الحاد للأسعار العالمية.
ورغم هذه المؤشرات السلبية تبدو تونس في طريق نحو تأمين احتياطات أكبر من النقد الأجنبي مع تخفيف قيود الإغلاق وعودة تعافي السياحة تدريجيا واستمرار تدفق تحويلات المغتربين بوتيرة متسارعة.
المؤسسات المانحة تتوقع أن يصل الدين العام إلى مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، في ظل غياب إطار واضح للإصلاحات على المدى المتوسط
وبحسب أحدث البيانات التي نشرها المركزي على منصته الإلكترونية فإن احتياطي العملة الصعبة ارتفع خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام إلى 8.1 مليار دولار، مقارنة مع 7.15 مليار دولار قبل عام.
وهذا الرقم يأتي بعد تقلّص الاحتياطي إلى 4.3 مليار دولار قبل ست سنوات، وهو أدنى مستوى منذ 2010 جراء الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد في 2015 وضربت قطاع السياحة الاستراتيجي المصدر الأهم للعملة الصعبة.
وأظهرت أرقام المركزي أن التحويلات زادت بنسبة 15 في المئة خلال الفترة الفاصلة بين يناير ومايو الماضيين لتبلغ 930 مليون دولار. كما ارتفعت إيرادات السياحة، التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد التونسي بواقع 57 في المئة لتصل إلى حوالي 324.5 مليون دولار.