تونس تواجه مشكلة تجديد أجيال تفرض على الدولة أعباء كبيرة

تونس - تظهر الأرقام الرسمية ارتفاعا متصاعدا في ظاهرة التهرّم السكاني في تونس، حيث تزداد نسبة كبار السن وتتقلص نسبة الشباب المنتجين، بينما يدق خبراء ناقوس الخطر مع ما تنطوي عليه هذه الظاهرة من أعباء على الدولة التونسية وخاصة على اقتصادها.
وحذر أستاذ الديموغرافيا بالجامعة التونسية حسان القصّار من أن نتائج أحدث تعداد سكاني تظهر توجه المجتمع التونسي نحو الشيخوخة، قائلا إن تونس تواجه مشكلة تجديد أجيال، وحل المعضلة يتطلب إجراءات تحتاج إمكانات ليست متوفرة حاليا.
وأجرت تونس تعدادا سكانيا في نوفمبر الماضي، ونشر المعهد الوطني للإحصاء في 17 مايو الماضي النتائج. وقال إن “عدد سكان تونس بلغ في نوفمبر 2024 مجموع 11 مليونا و972 ألفا و169 نسمة، ومعدل النمو الديموغرافي بلغ خلال العشرية الأخيرة 0.87 بالمئة.”
وأظهرت الإحصاءات تراجعا لسكان ولايتين من ولايات الشمال الغربي، وهما سليانة بـ6 آلاف و852 نسمة، والكاف بـ5 آلاف و775 نسمة.
ورأى القصّار في حديث للأناضول أن “كل ما نشهده الآن هو نتيجة لتطور الثورة الديموغرافية وتأثيراتها في تونس، وأيضا تأثير عوامل الحداثة مثل ارتفاع النشاط عند المرأة وتوازن السكان بين إناث وذكور.”
وحذر من أن “0.87 في المئة نسبة نمو ديموغرافي تعتبر ضعيفة وشبيهة بالبلدان الأوروبية التي عرفت قرونا من التحول الديموغرافي، وإمكاناتها غير إمكاناتنا.” مضيفا “لسنا في التهرم (الشيخوخة)، بل نحن في اتجاه التهرم وشيخوخة المجتمع، أي بروز جزء مهم من المجتمع التونسي في سن متقدمة.”
0.87
في المئة نسبة النمو الديموغرافي في تونس وهي شبيهة بالبلدان الأوروبية التي تعاني من نفس المشكلة
وأظهرت نتائج التعداد العام أن عدد الأسر في تونس يبلغ 3 ملايين و472 ألفًا و188 أسرة، بمتوسط حجم يقدّر بـ3.45 فرد كما يبلغ عدد المساكن حسب نتائج التعداد 4 ملايين و266 ألفًا و207 مساكن، من ضمنها 3 ملايين و440 ألفًا و206 مساكن مأهولة، وهي في معظمها مساكن مزدوجة بنسبة تفوق 48 في المئة، فيما تبقى نسبة 0.67 في المئة من المساكن في تونس بدائية أو في محلات غير مخصص للسكن على غرار المستودعات، وفق نتائج التعداد.
وبحسب الخبراء فإن هذه الأرقام تعني أن البلاد أمام تحوّل سكاني عميق، بتداعيات تتجاوز الأبعاد التقنية للديمغرافيا لتطال بنية الدولة ووظائفها. إذ أن شيخوخة المجتمع تعني بشكل مباشر تقلص الفئة النشيطة ونقص اليد العاملة وارتفاع الضغط على منظومات التقاعد والرعاية الصحية وتراجع صافي قوة العمل. ما قد يحول دون قدرة البلاد على امتصاص هذه التحولات.
وأوضح قصار “هناك إجراءات يمكن أن تُتَخذ حتى نعدل نسبيا في التوجه، ولكن أعتقد أن العملية ستكون مكلفة لميزانية الدولة في وقت لا تستطيع تونس فعل ذلك الآن.”
وأردف “حتى إن قمنا بالإجراءات اللازمة التوجه سيعدل جزئيا، لكنه لن يتغير، ومسألة الزواج والإنجاب وشكل الأسرة والقرابة والتباين الجهوي والتباعد الاجتماعي لا يمكن أن تعود كما كانت.” مضيفا و”شكل المجتمع سيكون كذلك، إلا (إذا) قمنا بتغيير عميق جدا يلغي كل ما فات، وتبني سياسة جديدة نظريا..؟”
وبشأن تقلص سكان ولايتي الكاف وسليانة، قال القصّار إن “هذه المناطق، خاصة جندوبة وباجة والكاف، كان لها نمو ديمغرافي بسيط.” وأرجع ذلك إلى “أسباب تاريخية، إذ كانت أكثر المناطق التي طبقت فيها سياسة التنظيم العائلي،” التي اتخذها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة في ستينيات القرن الماضي للحد من ارتفاع عدد السكان.
كما أن هناك هجرة داخلية باعتبارها من المناطق الأقرب للعاصمة، وأشار الخبير إلى أن نسبة الخصوبة كانت دائما الأكثر انخفاضا لظروف اقتصادية، فهي مناطق فلاحية تتأثر بالعوامل الطبيعية، أبناء الفلاح يهاجرون عند الجفاف لجلب سيولة (مالية) لمواجهة المصاريف اليومية.”
وبناء على نتائج الإحصاء العام للسكان، قال القصّار إن “الخصوبة منخفضة ولن تعود؛ لأن البلاد ليست لها إمكانيات لتغيير مسار الخصوبة.” وزاد أن “نسبة المسنين سترتفع، وهي غير مرتفعة الآن، لأنها في حدود 17 في المئة، وسنبلغ (عام) 2035 ما قدره 20 في المئة، و24 في المئة سنة 2045.”
وأردف أن “الطب سيتجه للتركيز على طب الشيخوخة، لأن عددا كبيرا من المسنين سيزورون المستشفيات أكثر من قبل، والتضخم المالي سيرتفع بحكم تلقي المتقاعدين أجورا دون عمل مباشر.”
وحذر القصار من أن “تونس (تواجه) صعوبة تجديد أجيال.. 1.7 طفل لكل امرأة نسبة ضعيفة جدا، يفترض أن تكون 2.2 طفل لكل امرأة كحد أدنى ليجدد المجتمع ذاته.”