تونس تواجه تحديات حماية أطفالها من العنف والاستغلال والتدهور الصحي

دعوة إلى تعزيز الجهود لتحسين حياة الأطفال في المناطق الريفية.
الجمعة 2025/06/27
من يحمي الأطفال في تونس

تشير التقارير الدولية إلى أن التقدم الذي حققته تونس في مؤشر حقوق الأطفال العالمي لعام 2025، يبقى منقوصا حيث لا تزال هناك تحديات قائمة في مجال الحماية الاجتماعية للأطفال مثل تحسين ظروفهم التعليمية والصحية بالقضاء على التسرب المدرسي وحمايتهم من العنف والاستغلال. ويواجه الأطفال في تونس عنفا داخل أسرهم فاقت نسبته ما يواجهونه من عنف داخل المدارس وفي الشارع والفضاء العام.

تونس - أظهرت نتائج مؤشر حقوق الأطفال العالمي لسنة 2025 أن تونس بحاجة إلى تحسين الجهود على مستوى تحسين حياة الأطفال خصوصا في المناطق الريفية والنائية، مع التركيز على تحسين الحماية الاجتماعية وتوسيع الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية.

وذكر التقرير أن 14 في المئة من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و19 عاما على مستوى العالم يعانون من مشاكل صحية نفسية وهو ما يفرز معدل انتحار عالمي يبلغ 6 حالات لكل 100 ألف مراهق، مشيرا إلى أن هذا المعدل قد يكون أكثر بكثير نتيجة حالات الانتحار غير المبلغ عنها بسبب الخوف من الوصم وآليات التبليغ غير الكافية.

وفي تونس، تتواتر حوادث الانتحار ومحاولات الانتحار بين الأطفال خصوصا في المناطق النائية والمهمّشة على غرار ولاية القيروان (وسط)، التي شهدت حادثة انتحار في العاشر من مايو 2023، راح ضحيّتها طالب يبلغ من العمر 18 سنة، بعد انتحاره بأحد المعاهد الثانويّة، وهو أصغر أخوته سنا.

وقالت رئيسة فرع القيروان للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سوسن الجعدي إنّ ولاية القيروان تحتل المرتبة الأولى وطنيا في عمليات الانتحار ومحاولات الانتحار، وتابعت في تصريحها لإذاعة محلية أنّ حوادث الانتحار ومحاولات الانتحار بلغت 45 حالة خلال الثلاثي الأول فقط من سنة 2023، وتم تسجيل 9 حالات منها في القيروان، لافتة إلى أن فرع المنتدى سجل 6 حالات انتحار في شهر أبريل و5 حالات في شهر مايو في هذه الولاية.

بدورها أكدت آمال بلحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ سابقا، أن حالات الانتحار ومحاولات انتحار الأطفال في تنام حيث تمّ خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2023، تسجيل 8 حالات انتحار في صفوف الأطفال، بمعدل حالتين كلّ شهرين و102 محاولة انتحار، بمعدل 26 محاولة شهريّا خلال نفس الفترة.

وأضافت الوزيرة أنّ 80 في المئة من محاولات الانتحار هي للإناث، مشيرة إلى أنها قررت الشروع في إنجاز دراسة علميّة معمّقة لهذه الظاهرة وفهم أسبابها قصد الاستناد إليها لتحديد السياسات وتصويب التدخلات الوقائيّة في هذا المجال. ولا تنتهي الانتهاكات ضد الطفولة في تونس ويبدأ العنف ضدهم من داخل الأسرة حيث يتعرضون إلى الضرب والإهانة وصولا إلى الفضاء المدرسي حيث الضغط النفسي والتنمّر والعنف داخل أسوار المؤسسات التربوية وفي محيطها. وتشير التقارير إلى أن أكثر من نصف التهديدات التي يتعرض لها الطفل في تونس تكون داخل المنزل.

وأفاد المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي بأن المنزل مثل أكثر الأماكن التي يتعرض فيها الطفل للتهديد بنسبة 59 في المئة من جملة الإشعارات الواردة على مندوبي حماية الطفولة، يليه الشارع بـ17 في المئة، فالمؤسسات التربوية بـ13 في المئة. وقد كان الأبوان أو أحدهما المصدر الأساسي للتهديد بنسبة 68 في المئة من خلال 8141 إشعارا. وأضاف حمادي أن مندوبي حماية الطفولة تلقوا 17449 إشعارا خلال سنة 2018 بخصوص أطفال في وضعية تهديد وشملت هذه الإشعارات 580 طفلا ورد بشأنهم أكثر من إشعار.

◙ البدانة تُعدّ أكثر شيوعاً بين الفتيات، ونقص الحديد يؤثر على ربع الأطفال، مع معدلات أعلى في الريف

ويواجه أطفال المدارس في المناطق الريفية في تونس جملة من التحديات الغذائية التي تواجه أطفال المدارس على ما كشفته دراسة استقصائية وطنية حول التغذية لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، تعمل الدولة على تجاوزها من خلال اعتماد سياسة صحية شاملة للوقاية وتحسين التغذية.

وبيّنت الدراسة، التي عُرضت نتائجها خلال ورشة عمل نظمها المعهد الوطني للتغذية والتكنولوجيا الغذائية بتونس، أن زيادة الوزن والبدانة أكثر شيوعا بين الفتيات وسكان المدن، كما أظهرت أن نقص الحديد يؤثر على ربع الأطفال، مع معدلات أعلى في المناطق الريفية. وتوصّلت الدراسة إلى أن نصف الأطفال المعنيين يعانون من نقص في فيتامين “د”، ويظهر ذلك بشكل أكبر بين الفتيات. كما بينت أن فقر الدم يصيب طفلين من بين كل عشرة أطفال، في حين سُجّل نقص في فيتامين “أ” لدى 6.7 في المئة منهم، دون فروق كبيرة بين المناطق.

وفي ضوء نتائج هذه الدراسة انطلقت الجهات المعنية في تبني نهج وقائي متكامل لتحسين التغذية لدى الأطفال، من خلال التدخل المبكر في المدارس وذلك عبر توزيع مكملات غذائية مثل الحديد أو فيتامين “أ” وفيتامين “د” مع التركيز على الفئات الأكثر عرضة إلى جانب تطوير المطاعم المدرسية لضمان تقديم وجبات غذائية متوازنة. وفي الوقت الذي تمثّل فيه التشريعات التونسية الخاصة بالطفل مثالا يحتذى وفق ما تؤكده تقارير دولية، إلا أنّها لم تستطع أن تخفي الواقع الذي تعانيه براءة الطفولة على صعيد الانتهاكات المتكررة المرشحة للتصاعد.

وتحتل تونس المرتبة التاسعة دوليا من بين 163 بلدا تبنت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وذلك لدعمها حقوق الأطفال في مختلف مجالات الحياة كالصحة والتعليم والثقافة والبيئة، لكن رئيس لجنة الطفولة والمرأة بالبرلمان التونسي سماح دمق أكدت أن “رغم النصوص القانونية والدستورية التي تحمي الطفل من أي تهديد، وتراعي مصلحته الفضلى وتلزم أجهزة الدولة بالسهر على حمايته، إلا أن الانتهاكات مازالت متواصلة، والتهديدات تحيط بالأطفال من كل مكان.”

وتتابع لجنة الطفولة والمرأة بالبرلمان الملفات المتعلقة بالانتهاكات والعنف بمختلف أشكاله في إطار دورها الرقابي على الحكومة، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى تواصل الانتهاكات داخل الأسرة، وفي رياض الأطفال، وفي المؤسسات التعليمية والترفيهية.

ورغم أن تونس حققت تقدما في مؤشر حقوق الأطفال العالمي لعام 2025، حيث حلت في المرتبة 55 بحصولها على 0.749 نقطة، مُحرزة تحسنا مقارنة بالعام الماضي، حيث كانت قد احتلت المرتبة 59 في مؤشر 2024 برصيد 0.748 نقطة، إلا أن هناك تحديات لا تزال قائمة في مجال الحماية الاجتماعية للأطفال من العنف والاستغلال، بالإضافة إلى الحاجة إلى تحسين الظروف التعليمية والصحية في بعض المناطق، وفق ما أكده التقرير.

وبالنسبة إلى الانقطاع المدرسي، أبرز التقرير الوطني حول وضع الطفولة وأوضاع حقوق الطفل لسنة 2023، أن نسبة المنقطعين المسجلة خلال السنة الدراسية 2023 – 2024 في المرحلة الابتدائية بلغت 0.9 في المئة من التلاميذ المسجلين لفارق طفيف لدى الذكور.

وكانت بلحاج قد أعلنت عن اتّجاه الوزارة إلى تعزيز سلك مندوبي حماية الطفولة بأربعين مندوبا جديدا ودراسة كيفيّة ومدى إمكانيّة تمتيع هذا السلك بمنحة الاستمرار باعتبار خصوصيّة مهامهم التي تتطلّب استمراريّة العمل خارج التوقيت الإداريّ وعلى مدى ساعات اليوم وكامل أيّام الأسبوع.

وصرّحت آمال بلحاج موسى بأن الوزارة بصدد الانتهاء من إعداد الإستراتيجيّة الوطنيّة للتصدّي لظاهرة الأطفال في وضعيّة الشارع ووضع الآليّات المؤسساتية والتشريعية والإجرائيّة للتوقّي من حالات تسوّل الأطفال وكافة أشكال الاستغلال الاقتصادي للأطفال باعتبار ما تكتسيه من تهديد بالغ لمصلحتهم الفضلى.

16