تونس تنعى صديقها الفرنسي "الوفي" فريديرك ميتران

الصداقة التونسية الفرنسية تفقد شخصية ساهمت بشكل كبير في تعزيز العلاقات بين البلدين.
السبت 2024/03/23
مثقف أحب تونس وأحبته

تونس - نعت تونس الجمعة صديقها الفرنسي “الوفي” الراحل فريديريك ميتران، الوزير السابق للثقافة في فرنسا وأحد أبرز المبدعين المثقفين.

وتوفي ميتران الخميس عن سن 76 عاما بعد صراع مع مرض السرطان.

ونعت وزارة الخارجية التونسية وفاته ووصفته بـ”الصديق الوفي والمخلص لتونس والتونسيين”.

وقالت الخارجية في بيان لها “برحيله، تفقد الصداقة التونسية الفرنسية شخصية ساهمت بشكل كبير في تعزيز العلاقات بين البلدين. لقد ساهم الفقيد، بموهبته السردية  المشهود لها، في التعريف لدى جمهور واسع بتاريخ تونس الغني وتراثها”.

فريديرك ميتران ساهم بموهبته السردية المشهود لها في التعريف لدى جمهور واسع بتاريخ تونس الغني وتراثها

وتابعت “لقد أظهر فريديريك ميتران، الكاتب والمخرج ورجل التلفزيون والسينما والإذاعة ووزير الثقافة والاتصال، التزاما ثابتا بتعزيز العلاقات الودية بين تونس وفرنسا، ودعما لا يتزعزع للفنانين والمثقفين التونسيين”.

علاقة ميتران بتونس وثيقة حتى أن اثنين من أبنائه هما تونسيا الأصل قام بتبنيهما، وقد كان من أبرز من روّج للوجهة التونسية وساهم في التعريف بها وبما تزخر به من موروث ثقافي وتنوّع جغرافي وحرارة ترحيب بمن يزورها.

التحام الراحل بالتونسيين كان غير محدود، فقد شارك مثلا في الثالث عشر من أغسطس من سنة 2012 المرأة التونسية احتفالها بعيدها الوطني، وانضم إلى النساء التونسيات في مسيرة ليلية لهن بشارع الحبيب بورقيبة وكان ذلك في زمن تواجه فيه مكتسبات تونس الحضارية تهديدا كبيرا في ظل حكم حركة النهضة الإسلامية وما عرفته تلك الفترة من مضايقات للنساء ومكتسباتهن وانتشار التيارات المتشددة. وقد عبر ميتران عن مساندته المطلقة للمرأة التونسية التي تعد مثالا لتطور المرأة العربية حسب قوله.

حصل فريديريك ميتران على الجنسية التونسية في فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وذلك بعد أن قام بتنظيم الحدث الثقافي «عام تونس في فرنسا»، والذي حقق نجاحا كبيرا.

 وقد علق ميتران أنه «ربما رأى النظام التونسي وقتها أن عليه أن يجذبني ويستعيدني من خلال منحي الجنسية التونسية، إلا أنني لم أقدم أيّ تنازل لهذا النظام»، مؤكدا أنه سعى طوال حياته لحماية الفنانين والمثقفين التونسيين، وأنه اعتقد مثل كثيرين آخرين أن أفضل طريقة لذلك هي «عدم إثارة هذا النظام المتسلط»، على حد تعبيره.

وعمل ميتران، وهو ابن أخ الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران، في قطاعات الإعلام حيث اشتهر كمقدم تلفزيوني على قناة “تي أف 1″، وعمل بالسينما والكتابة وشغل منصب وزير الثقافة والاتصالات بين عامي 2009 و2012 في ولاية الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

ونشط الراحل بشكل كبير في تطوير العلاقات بين تونس وفرنسا وكان حاملا لجنسية مزدوجة فرنسية وتونسية.

واكتسب عاشق السينما الكبير شهرته بتقديمه منذ عام 1981 برنامجاً سينمائياً على محطة “تي أف 1” بعنوان Etoiles et toiles. وترك المحطة عام 1988 بعد خصخصتها، وانتقل إلى محطة “أنتين 2” العامة.

وتولى ميتران إخراج عدد من الأفلام، من أبرزها Lettres d’amour en Somalie عام 1981 وأوبرا “مدام باترفلاي” عام 1995 الذي صوّره في تونس.

ورغم كونه ابن شقيق الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران، فقد امتنع عن السير على خطى عمه رغم إعجابه به. وفي يونيو 1993، انضم إلى حركة اليسار الراديكالي. وفي مايو 1995، أعلن دعمه المرشح الرئاسي اليميني جاك شيراك.

الراحل نشط بشكل كبير في تطوير العلاقات بين تونس وفرنسا وكان حاملا لجنسية مزدوجة فرنسية وتونسية

وعيّنه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عام 2008 رئيساً للمعهد الثقافي الفرنسي في إيطاليا “فيلا ميديسيس”، وعاد إلى باريس بعد بضعة أشهر لتولي وزارة الثقافة، حتى الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي خسرها اليمين.

وفي هذا المنصب، أشرف ميتران، وهو أب لثلاثة أبناء، على عدد من المشاريع الكبرى التي أُطلق بعضها قبل توليه الحقيبة، وأبرزها متحف حضارات أوروبا والبحر الأبيض المتوسط (Muscem) في مرسيليا (جنوب فرنسا) ودار أوركسترا باريس الفلهارمونية.

وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالراحل عبر حسابه على منصة إكس، واصفاً إياه بالرجل الذي “عاش ألف حياة، كلها منسوجة بخيط مشترك: الثقافة للجميع”.

أما ساركوزي فذكّر بأنه كان “رجلاً مثقفاً ومرهفاً جداً”.

وكتب وزير الثقافة السابق جاك لانغ “لقد ربطتنا صداقة استمرت أكثر من 60 عاماً (…). طوال حياته، خدم الفنون بشغف وسعة اطلاع وحب. ولاؤنا المشترك لفرنسوا ميتران وحّدنا بعمق”.

12