تونس تقترب من "سنة دراسية بيضاء" بسبب تعنت النقابات وصمت الحكومة

قرار حجب النتائج يمثل إضرابا مفتوحا وعرقلة لمسار التعليم ومسا من مصداقيته وتحديا للحكومة وللتونسيين ككل.
الخميس 2023/04/27
"حرب باردة" بين نقابات التعليم والوزارة

تونس- لم يبد كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي أي تراجع بشأن التهديد بعدم الإفراج عن نتائج التلاميذ الدراسية، إذا لم تستجب الحكومة لمطالب النقابة، في خطوة تظهر أن تونس مقبلة على تصعيد خطير، وأن النقابة قد تدفع إلى “سنة دراسية بيضاء” أمام استمرار صمت الحكومة.

ولئن كانت الجامعة العامة للتعليم الثانوي، وهي النقابة المعنية بشؤون التدريسيين، تعتمد سياسة المراحل وتعلن عن قرار احتجاز النتائج وعدم تقديمها للإدارة كل ثلاثة أشهر، فإن لا شيء يوحي بأنها يمكن أن تتوقف عند الثلاثيتين الأولى والثانية، وأنها لن تستمر في تعنتها خلال ما تبقى من العام، وتفشل بذلك مسار الامتحانات، خاصة شهادة البكالوريا، وتعيق ارتقاء التلاميذ من قسم إلى قسم ومن مرحلة إلى أخرى.

ومن شأن هذا التعنت أن يفتح الباب لمواجهة مختلفة، فهو ليس إضرابا محددا، لأن الإضراب يعود بعده الموظفون والمدرسون إلى عملهم بعد يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، مثلما جرى في قطاع النقل مثلا.

◙ لا يُعرف كيف ستتصرف الدولة، وهل ستنبه النقابة المعنية إلى أن ما تقوم به يتجاوز فكرة الإضراب إلى العرقلة

ويرى مراقبون في قرار حجب النتائج إضرابا مفتوحا وعرقلة لمسار التعليم ومسا من مصداقيته وتحديا للحكومة وللتونسيين ككل، وأن على الحكومة أن تتحرك بشكل واضح لمواجهة هذا الابتزاز وعدم الاكتفاء باللعب على الوقت والمراهنة على أن النقابة لا تقدر على أن تواجه التونسيين بمغامرة مثل هذه.

كما أن على وزارة التربية أن تضع سقفا زمنيا أمام النقابة وأن تظهر موقفا حازما حتى لا يُفهم صمتها ضعفا.

وتراهن النقابة على أن الحكومة ستضعف وتتنازل بعد أن تنازلت في يناير أمام إضراب قطاع النقل وتوصلت مع النقابات إلى حل. وقالت الجامعة العامة للنقل وقتها إنه تم “إبرام اتفاق تاريخي”، وجرى الحديث عن زيادات كبيرة لفائدة العاملين في القطاع، وهو ما تتخذه نقابات التعليم مبررا للمطالبة بالمعاملة بالمثل.

ولا تلجأ النقابة إلى الإضراب المعلن، من خلال مقاطعة الدروس أو التظاهر في الشارع، حتى تحمي نفسها وتحمي منتسبيها من خلال الالتزام بتقديم الدروس والسير في البرنامج المسطر من الوزارة حتى لا يكون لأحد عليها حجة، وحتى لا تمر الوزارة إلى الاقتطاع من رواتب المعلمين والأساتذة.

ومع مرور الوقت لن تستمر “الحرب الباردة” بين نقابات التعليم والوزارة. ولا شك أن الحكومة ستتحرك إما بالاستجابة للمطالب أسوة بجماعة النقل، وهذا ما سيفتح الباب أمام تحرك نقابات جديدة للمطالبة بالزيادة، ونعود إلى مربع العشرية الماضية حين قبلت الحكومات المتتالية بأسلوب ليّ الذراع للحفاظ على بقائها، وإما بإعلان رفضها للمطالب ونقل الضغط إلى النقابة من خلال تحويلها إلى مواجهة بينها وبين الشارع.

لسعد اليعقوبي: حجب الأعداد للثلاثية الثانية من العام الدراسي الجاري، إلى حين التوصل إلى اتفاق
لسعد اليعقوبي: حجب الأعداد للثلاثية الثانية من العام الدراسي الجاري، إلى حين التوصل إلى اتفاق

كما أن غموض موقف الحكومة سيجر الأولياء إلى التحرك للضغط عليها لتقوم بدورها كجهة ضامنة لإنقاذ السنة الدراسية، ومنع أن يتحول الوضع إلى مواجهة مباشرة بين الأولياء والمعلمين والأساتذة في ساحات المدارس أو المعاهد، وما قد يتبع ذلك من عنف وتهديد خاصة بعد أن تزايدت حوادث الاعتداء على المربين والإداريين في السنوات الأخيرة.

وشدد كاتب عام الجامعة العامة للتعليم الثانوي في تصريحات سابقة على مواصلة قرار حجب الأعداد للثلاثية الثانية من العام الدراسي الجاري، إلى حين التوصل إلى اتفاق.

وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد شدد خلال لقاء جمعه بوزير التربية محمد علي البوغديري على أن “حجب الأعداد في كل سنة أمر غير مقبول، وأنه لا سبيل لأن يكون التلاميذ رهائن”.

واعتبر اليعقوبي، في تدوينة على صفحته في فيسبوك، أن خطاب رئيس الجمهورية “فيه تهديد واتهامات غير مقبولة”، مشددا على أن “لا تنازل عن حقوق المدرسين والمدرسات”، وأن “الحل يكمن في طاولة المفاوضات لا الاتهامات والتهديدات”.

وكانت الجامعة العامة للتّعليم الأساسي قد عبرت من جانبها عن رفضها لتصريح رئيس الجمهورية بشأن عملية حجب الأعداد، مؤكدة مضيها في تنفيذ قرار حجب أعداد الثلاثي الثاني عن الإدارة.

واعتبرت الجامعة أن تصريح الرئيس سعيّد جاء بنبرة تفوح منها رائحة التهديد وتأليب الرأي العام على المدرسين، مستهجنة وصفه للتلميذ بالرهينة، في محاولة للإساءة إلى المدرسين معنويا والتحريض عليهم، وفق نص البيان.

وأضافت أن اتهامها بممارسة السياسة بديلا عن دورها في الدفاع عن حقوق منظوريها “مجانب للصواب”.

لكن المراقبين يرون أن النقابة تشتغل بالسياسة في صراعها مع الحكومة، وأن المطالب المالية مهما كانت أهميتها لا يمكن أن تدفع إلى سنة دراسية بيضاء.

وقال وزير التربية الأسبق ناجي جلول في تصريح سابق لـ”العرب” إن “نقابات التربية هي أحزاب سياسية لها أجندات”، وإن “النقابات لم تفهم بعد نوعية العمل النقابي في عهد الديمقراطية، والمستفيد الأول من هذا الصراع هو المؤسسات التربوية الخاصة والمدارس الفرنسية والكندية وغيرها”.

1