تونس تقترب من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي

تونس – كشفت الحكومة التونسية الجمعة أنها اقتربت كثيرا من التوصل إلى عقد صفقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، وذلك بعد الوصول إلى اتفاق يتعلق بالأجور مع أكبر نقابة عمالية في البلاد.
ووقعت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الخميس الماضي اتفاقا بشأن زيادة رواتب موظفي القطاع العام بواقع خمسة في المئة، وهي خطوة ربما تخفف من وطأة التوتر الاجتماعي.
وقبل يوم من الاتفاق ذكرت وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن الطرفين اتفقا على زيادة بنسبة 3.5 في المئة لنحو 680 ألف موظف في القطاع العام وموظفي الخدمة المدنية على أن ستكون سارية المفعول العام المقبل وتستمر حتى عام 2025.

نصرالدين النصيبي: نأمل في التوصل إلى اتفاق قبل نهاية أكتوبر المقبل
لكن الحكومة والاتحاد لم يعلنا عن أي اتفاق آخر بشأن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي.
وقال المتحدث باسم الحكومة نصرالدين النصيبي إن “فريق التفاوض التونسي كان على اتصال طيلة يوم أمس (الخميس) مع صندوق النقد بخصوص البنود الأخيرة للاتفاق”.
وأبلغ النصيبي وزير التكوين المهني والتشغيل راديو إكسبريس أف.أم المحلي “نأمل في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد قبل نهاية أكتوبر حتى تتمكن تونس من الوفاء بجميع التزاماتها بما في ذلك توفير السلع الغذائية ومنتجات الطاقة ودفع الأجور وخدمة الدين”.
وتكافح تونس لإنعاش ماليتها العامة التي توشك على الإفلاس، مع تزايد الاستياء من ارتفاع معدلات التضخم وغياب العديد من السلع الغذائية من المتاجر.
وفي أحدث تقييم دولي، اعتبرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني الجمعة أن اتفاق الزيادة في الأجور في تونس يزيد من احتمالية إبرام صفقة مع صندوق النقد، وهو ما يعزز توقعات المسؤولين التونسيين.
ويُنظر إلى الصفقة مع صندوق النقد على نطاق واسع داخل الأوساط المالية والاقتصادية المحلية على أنها خطوة حيوية لمعالجة اختلال التوازنات المالية الذي تعمق بفعل تواتر الأزمات منذ العام 2011.
ويريد الصندوق والمانحون الأجانب الرئيسيون من تونس أن تمضي قدما في خفض الدعم وإعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة، فضلا عن خطوات للسيطرة على فاتورة أجور القطاع العام.
وأشار الصندوق إلى أنه لن يمضي قدما في خطة الإنقاذ التي تسعى لها تونس ما لم يوافق عليها اتحاد الشغل الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون عضو وأثبت قدرته على إغلاق قطاعات رئيسية من الاقتصاد بالإضرابات.
وعقب الاتفاق مع الاتحاد قالت رئيسة الحكومة نجلاء بودن “نعلن عن المضي قدما في تبني نهج تشاركي في برنامج الإصلاح الوطني لإعادة تونس إلى بر الأمان”، مضيفة أن زيادة الأجور ستساعد في تحقيق السلم الاجتماعي.
ومنذ أكثر من 13 شهرا، بدأت تونس مفاوضات غير رسمية مع الصندوق للدخول في برنامج إصلاح اقتصادي جديد يفضي إلى تمويل بمتوسط أربعة مليارات دولار.
ويتضمن البرنامج الإصلاحي للحكومة هيكلة مالية وضريبية تهدف إلى دفع النمو والاستثمار وتحسين مناخ الأعمال ومنها إعادة هيكلة المؤسسات العمومية والتحكم في كتلة الأجور.
وتعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية تفاقمت حدتها جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى عدم استقرار سياسي تعيشه البلاد منذ بدأ الرئيس قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية في أواخر يوليو العام الماضي.
وكان الصندوق قد دعا تونس في وقت سابق هذا العام إلى ضبط فاتورة الأجور التي تشمل نسبة مرتفعة من إجماليّ النفقات لتحقيق الاستقرار في المالية العامة.
ولئن كانت مسألة تضخم الدين العام أمرا يبدو عاديا، إلا أن السياسات التي اتبعتها كل الحكومات في العشرية الأخيرة تجعل النظرة إلى ما يحدث اليوم مختلفا كون محددات قياس تعافي النمو لا تسير على النحو الأمثل في ظل تتالي التحذيرات من خطر يتربص بالاقتصاد.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية زادت من حدتها تداعيات الأزمة الصحية العالمية، وارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية جراء الأزمة في شرق أوروبا.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد قال في مايو الماضي إن الحكومة “بحاجة إلى تمويل إضافي يبلغ 5 مليارات دينار (1.6 مليار دولار) هذا العام بسبب آثار الحرب في أوكرانيا”.
وسيرفع ذلك احتياجات التمويل هذا العام إلى 8.2 مليار دولار، مما يزيد من الضغوط على المالية العامة للبلاد التي تعيش تحت وطأة أزمات اقتصادية وسياسية.
وتقدر المؤسسات المانحة أن يصل الدين العام إلى مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، في ظل غياب إطار واضح للإصلاحات على المدى المتوسط.
لكن البنك المركزي يبدو أكثر تفاؤلا حيث يرجح أن يصل حجم الدين العام إلى 84 في المئة هذا العام على أن يواصل الارتفاع ليصل إلى 84.7 في المئة في 2023.
ورغم المخاطر المحيطة بالمالية العامة قالت بودن مطلع مايو الماضي إن بلدها نجح في “سداد الديون الداخلية والخارجية للبلاد”، مؤكدة أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة “الإصلاحات العميقة”.
وظلت حاجات التمويل العام الماضي تتراوح بين 14 و18 في المئة بمقارنة سنوية استنادا إلى تقرير أعده خبراء البنك الأفريقي للتنمية، حيث لفتوا إلى أن الدين الخارجي يشكل 70 في المئة من الدين العام مواصلا منحاه التصاعدي الذي بدأ في 2011.
وتؤكد الأوضاع الراهنة أن السياسات المتبعة لتخفيف المشاكل المتنوعة التي يعاني منها البلد لم تسفر حتى الآن عن نتائج إيجابية ملموسة ما قد يفاقم الصعوبات لتعديل أوتار المؤشرات السلبية.