تونس تعيد تدوير قانون الصلح الجزائي لتجاوز العقبات

الرئيس التونسي يعرض على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد دفع الأموال مقابل مغادرة السجن.
الأحد 2023/12/17
سعيّد متمسك باسترجاع الأموال المنهوبة

الرئيس التونسي قيس سعيّد يسعى لتجاوز عقبات قانون الصلح الجزائي بعرضه على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد دفع الأموال مقابل مغادرة السجن بعد أن عرض عليهم القيام بمشاريع تنموية في المناطق الفقيرة لقاء إسقاط تتبّعهم عدليا وهو ما لم يحقق نتائج.

تونس - يستعد الرئيس التونسي قيس سعيّد لتعديل قانون الصلح الجزائي الذي يعرض على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد دفع الأموال مقابل مغادرة السجن، بعد أن واجه القانون الحالي عقبات حالت دون التوصل إلى النتائج المرجوة.

ولا يزال التقدم في ملف استرجاع الأموال المنهوبة متعثرا، وهو الملف الذي يعتبر من بين أبرز الملفات التي تعهد سعيّد بتسويتها بعد اتخاذه للإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021 وقال سعيد إنه سيصدر مرسوما لتعديل قانون الصلح الجزائي يفرض على رجال الأعمال الموقوفين في قضايا فساد وجرائم مالية دفع الأموال المطالبين بإعادتها مقابل مغادرتهم السجون.

وعرض الرئيس التونسي ما سماه بالصلح الجزائي في مرسوم أصدره في 2022، على عدد من رجال الأعمال الملاحقين في قضايا فساد مالي يفرض عليهم إطلاق مشاريع استثمارية في المناطق الفقيرة والأقل حظا في التنمية، تتعلق ببناء مدارس ومستشفيات ومرافق خدمات وخلق موارد رزق للعاطلين عن العمل في البلاد، لكن تعثر تطبيق القانون منذ صدوره لتعقبه بعد ذلك حملة إيقافات.

ويقبع في السجن أيضا منذ سنوات رجال أعمال على صلات بنظام الحكم السابق قبل ثورة 2011، وفشلت جلسات التحكيم التي عرضوها مع الدولة. وقال سعيد في اجتماع مع رئيس الحكومة ووزيرتي العدل والمالية إنه سيعرض تعديلا في اجتماع مجلس الوزراء المقبل.

◙ التقدم في ملف استرجاع الأموال لا يزال متعثرا، وهو ملف يعتبر من بين أبرز الملفات التي تعهد قيس سعيّد بتسويتها

وأضاف في كلمته أنه يتعين على الموقوف أن “يدفع أموال الشعب وليخرج من السجن.. تهريب الأموال لا يزال مستمرا.. يريدون تجويع الشعب وخلق المشاكل داخل البلاد". وتابع "المطلوب منا اليوم تطهير البلاد.. لقد طفح الكيل".

ويردد سعيد في تصريحاته أن الفساد متفش على نطاق واسع في مؤسسات الدولة. وفي 2021 قُدّر حجم الأموال التي يطالب باستعادتها من قائمة تضم 460 من رجال أعمال متورطين في جرائم مالية، بـ13.5 مليار دينار تونسي (حوالي4.5 مليار دولار أميركي) نهبت من المال العام.

ويهدف الصلح الجزائي، بحسب نص المرسوم الرئاسي، إلى استبدال الدعوى العمومية أو ما ترتب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات أو طلبات ناتجة عنها تم تقديمها أو كان من المفروض أن تقدم في حق الدولة أو إحدى مؤسساتها أو أيّ جهة أخرى وذلك بدفع مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو جهوية أو محلية بحسب الحاجة.

ويسعى الرئيس التونسي لتحقيق تقدم في هذا الملف للخروج من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد حيث يمثل المبلغ أكثر من ضعفي التمويل الذي تطالب به تونس من صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 1.9 مليار دولار.

ومن المتوقع أن تساهم الأموال المستخلصة من رجال الأعمال المتهمين بالفساد في جهود سد عجز الموازنة العامة. وشكل سعيّد، لجنة الصلح الجزائي بهدف جمع أموال من رجال أعمال تحوطهم شبهات فساد مالي، لكن لم تعلن لجنة المصالحة عن أيّ مبالغ كبيرة تذكر ما دفع الرئيس التونسي إلى حلّها.

وكان سعيّد قد أقال في مارس الماضي مكرم بنمنا رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وذلك تعبيرا على ما يبدو عن استيائه من التقصير في استرداد الأموال المنهوبة بينما تواجه تونس أسوأ أزماتها المالية على الإطلاق، والتي تفاقمت بسبب الفشل في دفع عجلة التنمية.

وأنشأ سعيّد هذه اللجنة في مارس 2022 وعيّن في نوفمبر الماضي، أعضاءها وتتمثل مهامهم في إبرام صلح جزائي مع المتورطين في الفساد من رجال أعمال قبل ثورة 2011، وكانت الحكومة التونسية أعدت فيهم قائمة في العام 2012. وتعاني تونس من نقص في السيولة بخزينة الدولة وانحسار في مصادر التمويل بينما لا يزال اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي معلقا منذ أكثر من عام بسبب خلاف حول حزمة الإصلاحات المطلوبة.

ويجدد الرئيسي التونسي من مناسبة إلى أخرى التأكيد على الاعتماد على الذات ودفع نسق منظومات الإنتاج المحلية في البلاد، على غرار القطاعات الحيوية المنتجة مثل الفوسفات، فضلا عن آليات الصلح الجزائي واسترجاع الأموال المنهوبة في الخارج لتجاوز العجز المالي.

ويكرّر سعيد من مناسبة إلى أخرى أن “لتونس الكثير من المقدرات ولكن هناك من أفرغ خزائن البلاد، بهدف ضرب الدولة من الداخل”. ويرى مراقبون أن البدائل الذاتية محدودة، وأن أقصى ما تحققه أنها تساعد على إنجاح برنامج الإصلاح الذي يطلبه صندوق النقد الدولي، ولكنها لا تكفي لوحدها.

وكان الصندوق أعطى ضوءا أخضر لتونس في أكتوبر الماضي بإعلان موافقة مبدئية، لكن منذ ذلك الحين تعثرت المفاوضات حول هذا القرض البالغة قيمته 1.9 مليار دولار وتوقفت المشاورات بين الطرفين منذ نهاية العام 2022 ولم تتقدم .

◙ قيس سعيد يسعى لتحقيق تقدم في ملف الأموال المنهوبة حيث يمثل المبلغ أكثر من ضعفي التمويل الذي تطالب به تونس من صندوق النقد 

ويبلغ دين تونس 80 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي وهي في حاجة ماسة إلى تمويل لتسديد رواتب موظفي القطاع الحكومي (حوالي 680 ألف موظف إداري وما لا يقل عن 150 ألفا في الشركات العامة)، فضلا عن نفقاتها الأخرى. لكن سعيّد يكرّر رفضه “للإملاءات” المتأتية من خبراء صندوق النقد والتي تتعلق بمراجعة سياسة الدعم وإصلاح الشركات الحكومية وتقليص كتلة الأجور في القطاع الحكومي.

ومطلع يونيو الماضي استبعد سعيّد مجددا إزالة الدعم، مقترحا حلولا بديلة تتمثل في فرض ضريبة على الأغنياء، لكن المؤشرات الاقتصادية لا تشير إلى انفراج قريب للأزمة المالية. فقد بلغ عجز الموازنة 8 في المئة في العام 2022، أتى ثلثاه من دعم قطاع المحروقات التي ارتفعت أسعارها إثر الغزو الروسي لأوكرانيا. وتمكنت الحكومة التونسية خلال العام 2023 من الوفاء بآجال تسديد استحقاقات تقدر بنحو 21 مليار دينار، بما في ذلك 12 مليارا (حوالي 4 مليارات يورو) بالعملة الأجنبية.

وتراجع عجز الميزان التجاري لتونس بنسبة 29 في المئة على أساس سنوي، خلال الشهور الأحد عشر الأولى من العام الجاري، وسط هبوط فاتورة النفط والمشتقات، بفعل هبوط الأسعار عالميا، وتراجع التضخم، ونمو الصادرات.

وذكر المعهد الوطني للإحصاء في تونس الاثنين إن عجز الميزان التجاري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات)، تراجع بـ29 في المئة إلى 16.543 مليار دينار (5.33 مليار دولار)، خلال الأحد عشر شهرا الأولى من 2023.

وكان عجز الميزان التجاري لتونس، سجل 23.296 مليار دينار (7.51 مليار دولار) في الفترة المقابلة من عام 2022. وقال المعهد إن الصادرات خلال الفترة بين يناير ونوفمبر الماضيين نمت بنسبة 7.6 في المئة، إلى 56.114 مليار دينار (18.1 مليار دولار).

2