تونس تعزز رهاناتها الاستثمارية والتجارية مع الأسواق الأفريقية

تراهن تونس على منتدى الاستثمار والتجارة في أفريقيا في دورة هذا العام، في أن يعزز مكانتها بين مستثمري القارة، وهي تعمل على رسم صورة جديدة لها بالترويج لمناخ الأعمال واستكشاف فرص الارتقاء بالشراكات الصناعية ونقل التكنولوجيا.
تونس- تسعى تونس إلى إعطاء شراكاتها مع بلدان أفريقيا نفسا جديد لإنعاش اقتصادها المتعثر، ومعالجة مشاكل الاستثمار، التي تواجه المشاريع في فترة يتسم فيه الاقتصاد العالمي بالكثير من التقلبات بفعل انعكاسات التوترات الجيوسياسية وتغير المناخ.
ويعمل المسؤولون للخروج من دوامة الخمول في تنمية الاستثمارات لاستغلال موقع البلاد على النحو الأمثل لمنافسة المغرب، بهدف الدخول في أسواق دول وسط وجنوب أفريقيا وعدم الاقتصار على الشريك التقليدي الاتحاد الأوروبي.
وغالبا ما توصف تونس بأنها “بوابة” للأسواق الأفريقية، وتطمح إلى ترسيخ نفسها كلاعب اقتصادي رئيسي في القارة عبر المنتدى الدولي لتمويل الاستثمار والتجارة في أفريقيا (فيتا)، الذي أصبح عادة سنوية، بتنظيم من مجلس الأعمال التونسي – الأفريقي.
وتحتضن العاصمة التونسية المنتدى في دورته السابعة تحت شعار “تعزيز التحول المحلي ونقل التكنولوجيا من أجل نمو مستدام وشامل في أفريقيا”، في خطوة تعكس إصرار البلد على تعزيز حضوره في القارة ودعم ربط شراكاته مع أسواقها الصاعدة.
ويأتي انعقاد هذا الحدث الذي انطلق الثلاثاء ويستمر على مدار يومين، بعد أيام من زيارة الرئيس قيس سعيد إلى الصين، والتي توجت بعقد مجموعة من الاتفاقيات والتي يتوقع أن تدفع بعلاقة البلدين إلى الأمام ضمن سياسة تنويع الشركاء التجاريين.
ومنذ سنوات تتعالى الأصوات المنادية بالتقليص من التبعية للأسواق الأوروبية والتخفيف من هيمنة السلع القادمة من تركيا على السوق المحلية، والتوجه إلى فتح أسواق جديدة صاعدة كأفريقيا والصين.
وأكد المشاركون اللذين جاؤوا من أكثر من 65 بلدا في المنتدى على أهمية دعم الاندماج الاقتصادي والصناعي بين دول القارة التي تزخر بالفرص وآفاق التطوير، وبما لديها من موارد بشرية ذات كفاءة عالية، لاسيما في ظل المتغيرات التي يشهدا العالم اليوم.
وأكدت وزير الصناعة والطاقة والمناجم التونسية فاطمة ثابت أن أفريقيا أرض الفرص والثروات وقارة الذكاء وإمكانات تحقيق نمو بنسبة كبيرة وهي مستقبل الاقتصاد العالمي.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن ثابت قولها أثناء افتتاح المنتدى الذي يشهد مشاركة أكثر من ألفي رجل أعمال ومسؤول وخبير ومتخصص من مختلف دول العالم إن “التحديات المرتبطة بالأزمات السياسية والتغيرات المناخية والهجرة قابلة للحل”.
وحث على ضرورة الاستفادة من الثروات وتطوير الصناعة الأفريقية والعمل على الإسراع في إطلاق سلسلة القيمة للاقتصاد الأفريقي الذي يضم قرابة 1.3 مليار نسمة.
وأفادت بأن انضمام تونس إلى منطقة التجارة الحرة الأفريقية (زليكاف) والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا) يأتي من منطلق قناعة الدولة بأهمية تحقيق التحول في السوق الأفريقية ومستقبلها الواعد بالنظر إلى المزايا التفاضلية الكبيرة التي توفرها.
ويروج المسؤولون التونسيون إلى بلدهم على أنه يزخر بالفرص والآفاق المشتركة من بلدان القارة وخاصة في الصناعات الدوائية والنسيج ومكونات السيارات على اعتبار أنها قطاعات توفر فرصا غير مستغلة وتعد ذات أولية ضمن إستراتيجية دعم الاستثمار.
وقالت ثابت إن “تونس بجاذبيتها والتكامل الذي ستعمل على تكريسه في أفريقيا سيجعلان من منتجاتها ذات قدرة تنافسية كبيرة”. كما اعتبرت أن توافد اليد العاملة إلى السوق التونسية وتوفر الكفاءات تجعل الصناعة ونشاط التصنيع في القارة يخدم مصلحة الأفارقة وكذلك الدول الأوروبية والآسيوية.
وتتنافس الدول العظمى على الدخول إلى أفريقيا. وقد برز احتدام التسابق بشكل واضح بعدما أعلنت الصين عن إستراتيجية الطريق والحرير في عام 2013، وسط محاولات أوروبية وأميركية وروسية من أجل الحصول على حصة في هذه السوق الواعدة.
واعتبر الحبيب عمار المستشار الفني في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في كلمته بالمنتدى أن أفريقيا هي مستقبل الاقتصاد العالمي وأن الدول العظمى مهتمة بما يحدث سياسيا واقتصاديا في هذه الدول، بما فيها تونس.
وقال إن “تونس من الدول المتقدمة أفريقيّا في مجال الصناعة وهي قادرة على تحقيق الإضافة، لكن نسبة الاندماج الصناعي والتجاري مع القارة مازال ضعيفا رغم توفر إمكانيات كبيرة لتطوير القطاع”. ويسعى مجلس الأعمال المشترك إلى تطوير ومرافقة أعمال المؤسسات التونسية للتمركز بالقارة ودفع المبادلات التجارية مع الشركاء الأفارقة قدما.
ورصد المجلس إقامة 160 شركة تونسية أعمالا لها في الكوت ديفوار بعد أن كانت 20 قبل ثماني سنوات، مع وجود أرقام ملفتة متعلقة بالاستثمارات التونسية في كل من السنغال والكاميرون.
ومع ذلك لايزال الانتشار التونسي في أفريقيا ضعيفا بسبب العديد من العوامل، التي انتقدتها الأوساط الاقتصادية مرارا رغم وجود فائض تجاري بأكثر من مليار دينار (450 مليون دولار) لصالح تونس.
وفي محاولة لفك عقدة المرونة المالية، اضطرت تونس العام الماضي إلى البحث عن مسار جديد لتغيير قانون الصرف بعد تزايد الضغوط من أصحاب الأعمال لتخفيف قيود تحويل الأموال إلى الخارج لإنعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار الأجنبي.
ويشكل القانون الحالي عقبة كبيرة، وبالتالي باتت السلطات أكثر إدراكا بأهمية تحفيز المستثمرين بالسماح بتحويل أموالهم دون قيود. ومع ذلك لا يوجد حتى الآن ما يوحي بأن ثمة اختراق جوهري، وهو ما يرجعه البعض إلى كمية المناقشات والتعديلات، التي يجب أن تحظى بموافقة كافة المتداخلين في هذه الملف.
وتتمثل عوامل الضعف أيضا في نقص التغطية الدبلوماسية لدول القارة، حيث للبلد 15 سفارة فقط، وكذلك الربط الجوي، الذي يرى خبراء أنه لابد أن يتدعم من خلال زيادة وجهات الخطوط التونسية.
ويشكل دفع البنوك التونسية لتركيز فروع لها في أفريقيا عامل تحفيز، خاصة أن القطاع المصرفي المغربي أدرك مبكرا أهمية هذا المسار، وهو ما يسهّل الصادرات والمعاملات التجارية مع القارة.