تونس تضطر إلى فرض حزمة ضرائب قاسية في 2023

صدام مرتقب بين الحكومة والنقابات بشأن الإجراءات الجديدة.
السبت 2022/11/05
أسرع فلم يعد ثمة وقت لتضيعه

اعتبر خبراء أن حزمة الضرائب التي ستقرها تونس في ميزانية 2023 ستكون الأقسى على الإطلاق مع التوجه نحو فرض بنود جديدة لجمع أكبر قدر ممكن من الإيرادات، وذلك لتنفيذ برنامجها لإصلاح الاقتصاد المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.

تونس - تعتزم الحكومة التونسية فرض ضرائب جديدة وزيادة نسب الضرائب الحالية بداية من العام المقبل، لتعزيز عوائدها المالية، أمام ضعف مؤشرات النمو الحالية وتعمّق العجز التجاري والانحدار المستمر في قيمة الدينار.

وتسعى الإجراءات إلى معالجة أزمة المالية العامة الخانقة، مع تصاعد العجز والديون في خطة قد تثير غضب الاتحاد العام التونسي للشعل، نقابة العمال القوية.

ويتوقع أن تؤثر الحزمة الجديدة التي تأتي في سياق برنامج الإصلاح الاقتصادي، إذ تطمح حكومة نجلاء بودن بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي إلى ردم الفجوة الكبيرة في عجز الميزانية، بشكل غير مسبوق على قطاع الاستثمار والأفراد والتجار.

سهام بوغديري: الضريبة على الثروة ستؤثر على العقارات ورأس المال
سهام بوغديري: الضريبة على الثروة ستؤثر على العقارات ورأس المال

وقالت سهام بوغديري وزيرة المالية في تصريح لمحطة “التاسعة” التلفزيونية المحلية إن الحكومة “تدرس مقترحا لفرض ضريبة على الثروة في عام 2023، في إطار خطة حكومية لتحقيق العدالة الضريبية”.

وأقرت الوزيرة بوجود تأثيرات سلبية من اتخاذ الخطوة والتي لم تحدد مقدارها بالضبط، حيث أشارت خلال حديثها إلى أن الضريبة المقترحة على الثروة ستؤثر على العقارات ورأس المال، لكنها لن تشمل الأرباح.

وتتطلع تونس، التي تكافح من أجل قلب الأرقام من الخانة الحمراء إلى الخضراء، إلى الحصول على قرض من صندوق النقد بقيمة ملياري دولار، مقابل إصلاحات غير شعبية تشمل خفض الإنفاق وخفض دعم الطاقة والغذاء.

وتضررت المالية العامة للبلاد جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الماضية، ناهيك عن التداعيات الكارثية التي خلفتها الجائحة على مجمل النشاط الاقتصادي ثم آثار الحرب في أوكرانيا، والتي تجلت في تدهور القدرة الشرائية للناس بشكل غير مسبوق.

وتقول الأوساط الاقتصادية إن الإجراءات الضريبية تبدو مفهومة في هذا الظرف، وأنه من بوابة زيادة العوائد من هذا البند، اضطرت الحكومة إلى البحث عن نوافذ جديدة وفق معايير مستدامة لدعم خزينة الدولة ومواجهة الاختلالات المالية المتزايدة.

ومع ذلك تسود قناعة بين مجتمع المحللين في تونس بأن ميزانية 2023 ستكون من أصعب الميزانيات في تاريخ البلد منذ الاستقلال، وأنه من الصعب تحديد نسبة النمو في ظل أزمة اقتصادية عالمية تتوجه فيها أكبر الاقتصاديات إلى الركود.

ولم تنشر وزارة المالية حتى الآن مشروع الميزانية الجديدة، لكن تسريبات رشحت بأنه من المتوقع أن تفرض الحكومة في ميزانية 2023 زيادة ضريبية جديدة على الشركات تتراوح بين 15 و20 في المئة.

كما أنها ستقوم بإجراءات لمكافحة التهرب الضريبي الذي يستنزف خزينة الدولة مع ضياع أكثر من 50 في المئة من الإيرادات المفترض أن تجنيها الدولة مع العمل على تشديد المراقبة لتحصيل الإيرادات الحقيقية من ضريبة القيمة المضافة.

خطة ضريبية جديدة يدفع ثمنها المواطن
خطة ضريبية جديدة يدفع ثمنها المواطن

وتظهر بعض التقديرات أن الخزينة العامة تخسر قرابة خمسة مليارات دينار (1.54 مليار دولار) كل عام بسبب عدم التصريح الحقيقي بضريبة القيمة المضافة.

وبحسب المعطيات التي تتضمنها وثيقة مسودة الميزانية الجديدة، التي لم تكشف وزارة المالية عن فحواها بالتفصيل حتى الآن، تتجه الحكومة نحو زيادة ضريبة القيمة المضافة لتتراوح بين 13 و19 في المئة.

وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن تزيد حصيلة الضرائب بنسبة قد تصل إلى 18 في المئة في الإجمال قياسا بنحو 15 في المئة هذا العام و12 في المئة خلال العام الماضي.

وتفسر الزيادة المرتقبة، إضافة إلى المداخيل المتأتية من العفو الجبائي المتوقع أن يكون أحد بنود الميزانية الجديدة، أساسا، بالجباية غير المباشرة عبر إقرار بعض الإصلاحات التي تضم رسوما على المواد البترولية والتبغ والمشروبات الكحولية.

كما قد تضم رسوما جمركية إضافية على منتجات استهلاكية، مثل الهواتف الذكية والمنتجات الغذائية والصحية والرخام والعطور ورسوم الجولان وتعديل أسعار السجائر وغيرها.

الضرائب المقترحة

● فرض ضريبة على الثروة لم تحدد الحكومة مقدارها
● زيادة الضريبة على الشركات بين 15 و20 في المئة
● زيادة ضريبة القيمة المضافة بين 13 و19 في المئة

ويبقى الجزء الأهم من المداخيل الضريبية الذي ستجنيه الحكومة من الجباية غير المباشرة، وكذلك الضرائب على الدخل، والتي يتم اقتطاعها من رواتب أكثر من 700 ألف موظف في القطاع العام ونحو 1.5 مليون موظف في القطاع الخاص.

وهذه الزيادات ستكون للعام الثالث على التوالي منذ تخفيفها في عامي 2019 و2020، فقد تسببت التدابير الجبائية في ميزانية هذا العام إلى ارتفاع الضغط الضريبي إلى 25.4 في المئة مقارنة مع 24.4 في المئة في 2021.

ومنذ 2011 تواجه الدولة معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتزايدة، وخاصة فيما يتعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة وفي ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.

ويشكك محللون في قدرة الحكومة على تخفيف الضغوط المتزايدة على المواطنين بعد أن بنت ميزانية 2023 على فرضيات تبدو غير واقعية ومؤشرات غير ثابتة، قد تعرقل كافة الجهود لإخراج البلاد من نفق الأزمات المتراكمة.

ويقول البعض إن تفاؤل الحكومة بشأن انتقال اقتصاد إلى المنطقة الآمنة في الوضع الضاغط بسبب التضخم الذي تجاوز حاجز التسعة في المئة أمر صعب، في ظل استمرار انكماش معظم محركات النمو الرئيسية بينما يحاول قطاعا السياحة والفوسفات النهوض مجددا.

ويشدّدون على نقطة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بمراعاة اعتبارات الكفاءة لطبيعة الأنشطة الاقتصادية المختلفة مع المساواة في توزيع الأعباء الضريبية واعتماد آليات أكثر شفافية بما يتيح زيادة العوائد الضريبية مستقبلا على أسس مستدامة.

ويتوقع صندوق النقد نمو الاقتصاد التونسي هذا العام بنحو 2.2 في المئة على أن يتراجع إلى 1.6 في المئة بنهاية العام المقبل.

11