تونس تسمح بإطلاق الأسماء غير العربية على المواليد الجدد

قرار حكومي يلغي القانون المقيد لحرية الوالدين في اختيار أسماء أبنائهما.
السبت 2020/07/18
تطور القانون لمواكبة مناخ الحرية

أصدرت وزارة الشؤون المحلية قرارا جديدا بموجبه يتم إنهاء العمل بقانون يمنع من عشرات السنين منح الوالدين لاسم غير عربي لمولودهم الجديد وهو الموضوع الذي أثار الجدل كثيرا في مناسبات سابقة على اعتبار أنه يتعارض مع أحكام الدستور التونسي الذي ينص على عدم تقييد حرية الأفراد.

تونس – ألغت تونس قانونا كان يمنع لعقود الوالدين من إطلاق أسماء غير عربية على مواليدهم الجدد، في خطوة تأتي لتمنح حرية أكثر للآباء والأمهات لمنح أبنائهم الأسماء التي يريدونها دون شرط التقيد بموانع قانونية معينة.

وأصدرت وزارة الشؤون المحلية قبل يومين منشورا إلى المصالح والمؤسسات العمومية التي تعود لها بالنظر، بالأساس البلديات، يعلن إنهاء العمل بمنشور سابق صدر في العام 1965 يحدد بعض الموانع عند اختيار أسماء المواليد الجدد وتسجيلهم في سجلات الدولة الرسمية المتعلقة بالحالة المدنية.

واعتبر المنشور الجديد أن التوجيهات السابقة لـ”العاملين في مجال تسجيل الولادات بالبلديات قد تضمنت بعض التحجيرات التي أصبحت تعتبر اليوم نوعا من التقييد لحرية اختيار الوالدين لأسماء المواليد الجدد عند ترسيمهم بدفاتر الولادات”.

واستند قرار وزارة الشؤون المحلية الجديد بـ”إنهاء العمل بالمنشور المذكور الذي لم يعد يتلاءم مع ما تعيشه بلادنا اليوم من مناخ حرية ومسؤولية” إلى تطور الإطار القانوني للحريات في تونس خاصة بعد صدور دستور 26 يناير 2014، ومصادقة تونس على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بمجال الحريات وحقوق الإنسان وحقوق الطفل.

وبموجب هذا القرار الحكومي الجديد أصبح رؤساء البلديات والموظفون في دوائر الحالة المدنية مدعوين إلى “التقيد بما ورد في دستور 26 جانفي 2014 وبالقوانين والتراتيب الجاري بها العمل في مجال الحالة المدنية”.

وأثنى الكثير من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي على قرار إلغاء العمل بالمنع القانوني لإطلاق الأسماء غير العربية على المواليد الجدد، معتبرين أنه مواكبة لتطور العصر وانسجام مع ذهنيات المجتمع التونسي التي لم تعد تحكمها الأفكار المحافظة ذات الرؤية الضيقة للأشياء.

وقال البعض إن الكثير من التشريعات التونسية تحتاج إلى مراجعة وإصلاح لأنها صارت من الماضي ولم تعد تتماشى مع روح العصر الحالي.

لكن آخرين أبدوا اعتراضهم على هذه المبادرة مدفوعين بأفكار مسبقة تتعمق في السلبية ولا ترتكز إلى أي أسس منطقية في الحكم على سلوكيات الأفراد، حيث قال أحدهم ساخرا إنه أصبح بالإمكان الآن إطلاق أسماء غربية مثل فرانسوا أو دافيد على أبناء التونسيين. واعتبر أن هذا المنشور الحكومي الجديد “ناسف للهوية العربية الإسلامية”.

الكثير من التونسيين يعتبرون القرار الجديد مواكبة للعصر وانسجاما مع ذهنيات لم تعد تحكمها الرؤية الضيقة للأشياء

وأغفل من يتبنون هذا الموقف العديد من الأسماء غير العربية التي أصبحت تنتشر في تونس وهي من أصل فارسي أو تركي بالأساس، وذلك بحكم التأثير الكبير للأعمال الدرامية الأجنبية المترجمة أو المدبلجة إلى اللغة العربية أو اللهجة التونسية على المجتمع التونسي.

ويؤكد الحقوقيون في تونس أن الأساس في هذه المسألة ليس أصل الاسم الذي يتم إطلاقه على المولود الجديد بقدر ما هو حرية الوالدين المطلقة في منح ابنهما أو ابنتهما الاسم الذي يرغبان فيه، دون الاضطرار إلى اختيار اسمين للطفل أحدهما مثبت في الدفاتر الرسمية والآخر تتم مناداته به في وسطه العائلي وهو حال الكثيرين.

ويحجر الفصل 23 من المنشور المشترك الصادر عن وزارتي العدل والداخلية في 12 ديسمبر من العام 1965 والمتعلق بتنظيم الحالة المدنية “إسناد الأسماء غير العربية للمواليد” كما يمنع “إسناد الألقاب كأسماء وألقاب الزعماء أو ألقابهم وأسمائهم في نفس الوقت” إلى جانب أنه يحجر “إسناد أسماء منافية للأخلاق أو محل التباس”.

ويأتي هذا المنع في ما يتعلق بإطلاق أسماء المواليد الجدد ضمن البيانات التي يجب أن يحتويها رسم الولادة وتشمل تاريخ الولادة ومكانها واسم البلدية أو الدائرة البلدية أو المنطقة أو المستشفى التي تمت فيه الولادة إلى جانب جنس المولود.

ويستثني المنشور القديم التونسيين اليهود من الموانع التي حددها، حيث كان القانون يسمح لهم بمنح أبنائهم أسماء أجنبية كما يستثني المواطنين التونسيين المتزوجين من أجانب.

ومثل إطلاق أسماء أجنبية ظاهرة جديدة لافتة في تونس خلال السنوات الأخيرة لاسيما مع انتشار القنوات الفضائية والإقبال الكبير على الأعمال الدرامية العربية أو المدبلجة إلى اللهجات العربية، فأصبحت أسماء مثل ألين ولين ويارا وأليف وبراق وبيازيد تنتشر في تونس.

وكانت المسؤولة الأولى في المصلحة المركزية للحالة المدنية بتونس قد بررت في تصريحات إعلامية سابقة أن إطلاق الأسماء الأجنبية على الأطفال التونسيين وتثبيتهم في السجلات الرسمية بتلك الأسماء رغم أن القانون يمنع ذلك يعود إلى غياب الرقابة. وأوضحت أن أسباب هذا الأمر في البعض من الحالات حسن النية وعدم الدراية بالمعنى الحقيقي للاسم المراد تسجيله وفي حالات أخرى يكون تجاوزا للقانون عن دراية ووعي والذي ارتبط بحالة الانفلات الإداري التي عرفتها تونس منذ العام 2011.

لكن المتابعين للشأن التونسي يعارضون رأي المسؤولة ويقولون إن السبب الحقيقي وراء قبول تسجيل المواليد الجدد بأسماء أجنبية لم يكن معروفا في السابق في تونس وإغفال وجود منع قانوني هو أمر مقصود ويرجع في الكثير من الحالات إلى اختلاف ومرونة في طريقة تطبيق القانون راجعة إلى انفتاح البعض من الموظفين المكلفين بمهمة تسجيل أسماء المواليد الجدد في السجلات الرسمية.

وفي مناسبات كثيرة سابقة، عاشت تونس على وقع نقاشات حول منح الأطفال أسماء أجنبية غير عربية واستفز هذا الأمر جدلا آخر هوياتي هذه المرة بين من يعلن وفاءه للهوية الأمازيغية ومن يؤكد على ضرورة التشبث بالهوية العربية الإسلامية.

وكانت بلدية بنزرت الواقعة في شمال تونس قد نشرت في وقت سابق قائمة بالأسماء غير العربية التي يمنع تسجيل المواليد الجدد بها ومن بينها  تاتيناس وألين وركال وبيزيد ورستم وماجدولين وإيلان، حيث برر رئيس البلدية ذلك بالاحتكام إلى موانع التشريعات في مواجهة انتشار الأسماء غير العربية في السنوات الأخيرة، لتفادي تجاوز القانون. وأوصى هذا المسؤول بالاجتهاد والعودة إلى معجم اللغة العربية لاختيار أسماء الأبناء.

وكانت الوثيقة التي أصدرتها بلدية بنزرت وعلقتها على جدران قسم الحالة المدنية ليتسنى للمواطنين الاطلاع عليها، والتي تتضمن قائمة الأسماء الممنوعة، قد تم تداولها بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي حيث أثارت جدلا وسخرية في الفضاء الافتراضي.

21