تونس تسعى للتخفيف من أزمة السكن عبر إحداث برنامج السكن الاجتماعي

السلطات التونسية تبحث عن آليات لتحسين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمالية للبلاد.
الجمعة 2025/02/14
ربع الأسر في تونس لا تملك مسكنا

تونس - تحاول السلطات التونسية في إطار تكريس دورها الاجتماعي والاهتمام بالفئات الضعيفة دعم برنامج السكن الاجتماعي بهدف التخفيف من انعكاسات أزمة السكن في البلاد.

وتتمثل إستراتيجية السكن في إيجاد آليات لمساعدة الفئات ضعيفة ومتوسطة الدخل على توفير منازل لائقة ومقاسم بأسعار مدروسة، فضلا عن توفير وسائل النهوض بالسكن القائم وبتهيئة الأحياء وإدماجها في حدود الإمكانيات المتاحة، كما تشمل توفير السكن الاجتماعي والميسر الموجه للفئات ضعيفة ومتوسطة الدخل، فضلا عن توفير المقاسم المعدة لبناء مساكن اجتماعية.

ويتم بناء المساكن الاجتماعية على الأراضي التي هي على ملك الدولة أو على ملك مجلس الولاية (المحافظة) أو المجلس البلدي أو إحدى المؤسسات العقارية المكلفة أصلا ببناء هذا النوع من المساكن.

ودعا الرئيس المدير العام للشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية فهمي كمّون إلى التفكير في إحداث مدن جديدة خارج المدن الموجودة حاليا بغاية الاستجابة للطلب المتنامي على السكن الاجتماعي.

وشدّد في تصريحات صحفية على “ضرورة توفير جميع المرافق الأساسية التي يحتاجها المواطن من صحة وتعليم وتنقل في هذه المدن بما يساهم في تخفيف الأعباء عليه من جهة، وحلّ مشكلة السكن من جهة ثانية”، لافتا إلى أنّه “تم استهلاك رصيد عقاري هام، مما أثّر على كلفة المساكن”، مشدّدا على “ضرورة دعم قطاع البعث العقاري العمومي خاصة في ظل التنافس القائم مع القطاع الخاص من خلال وضع خطوط تمويل لفائدة السكن الاجتماعي.” 

بلعيد أولاد عبدالله: وجب التفكير في رؤية جديدة للمدن المكتظة
بلعيد أولاد عبدالله: وجب التفكير في رؤية جديدة للمدن المكتظة

وقال إنّه “لا يمكن الاستغناء عن القطاع العام في مجال السكن”، مؤكّدا “أهمية دعم المؤسسات العمومية للقيام بدورها الاجتماعي والتعديلي في ظل توفر الإرادة السياسية.”

ولم تعد رهانات السلطة سياسية بقدر ما تطمح إلى تحسين الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمالية للبلاد، في خطوة تعلن الانتقال إلى مرحلة البناء الاجتماعي.

وتخصّص الشركة الوطنية العقارية في تونس 80 في المئة من مشاريعها للسّكن الاجتماعي والنسبة المتبقية للمساكن الاقتصادية.

ويقدّر خبراء في السوق المحلية حجم الارتفاع في أسعار العقارات خلال السنوات الماضية بأكثر من 30 في المئة.

وتظهر التقديرات أن ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكنا، أي ما يعادل 750 ألف أسرة في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، وهو ما دفع الخبراء إلى التأكيد على أن هذا المأزق يتطلب رؤية لتنشيط العقارات والبناء والقيام بإصلاحات شاملة.

وأفاد الباحث في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله بأن “مشاكل السكن لا يمكن طرحها في إطار ضيّق، بل في إطار مقاربة شاملة، حيث توجد مدن مكتظة بسبب السكن، وبالتالي وجب التفكير في رؤية جديدة لتلك المدن مع ربطها بالخدمات الأساسية وشبكة النقل.”

وقال في تصريح لـ”العرب”، “السكن الاجتماعي مقاربة قديمة تم إحداثها منذ الاستقلال في 1956، وتدعمت فيما بعد بتسهيلات من البنوك والصناديق الاجتماعية فتم تأسيس بنك الإسكان لإعطاء قروض سكن واقتناء أو تحسين مسكن.”

ولفت بلعيد أولاد عبدالله إلى أن “ارتفاع كلفة السكن خاصة في المدن الكبرى، خلق صعوبات، كما انتشرت ظاهرة البناء العمودي التي أثرت على تركيبة الأسر التونسية”، داعيا إلى “ضرورة التفكير في وضع تصوّر مستقبلي للمدن عبر إخراج القطب الإداري من وسط العاصمة والمدن الكبرى.”

وتفاقمت معاناة التونسيين خلال السنوات الأخيرة الذين وجدوا أنفسهم أمام صعوبات لامتلاك مساكن بعدما دخلت السوق في حالة من الركود الحاد جراء الارتفاع الجامح في أسعار العقارات والأراضي ومواد البناء.

◙ إستراتيجية السكن تتمثل في إيجاد آليات لمساعدة الفئات ضعيفة ومتوسطة الدخل على توفير منازل لائقة ومقاسم بأسعار مدروسة، فضلا عن توفير وسائل النهوض بالسكن القائم

كما واجه الكثيرون منهم صعوبة في الحصول على قرض سكني نتيجة ارتفاع نسب أسعار الفائدة الموظفة على الائتمانات البنكية التي تصل أحيانا إلى 12 في المئة أو أكثر.

وسبق أن اعتبرت وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني أثناء ورشة تحت شعار “حوار حول السكن” أن الارتفاع الجنوني لكلفة العقارات السكنية وندرة الأراضي الصالحة للبناء من العوامل الكثيرة التي أثرت على امتلاك التونسيين للمنازل.

وقالت في مداخلة لها إن “ذلك يستدعي عمل الأطراف المعنية لإيجاد الحلول العملية قصد إعادة صياغة إستراتيجية لتمكين الفئات الاجتماعية متوسطة ومحدودة الدخل من حقها في السكن اللائق بكلفة معقولة وفي المتناول.”

وكانت الوزارة قد أعلنت في وقت سابق، أنها تتجه لإقرار خطة لتطوير القطاع تركز على دعائم رئيسية تتعلق بالجوانب التنظيمية والقانونية والتشريعية والتخطيط العمراني لتخطي التحديات التي تعرضت لها هذه الصناعة المتعثرة خلال السنوات الأخيرة.

وتؤكد أرقام وزارة التجهيز والإسكان في تونس أن نحو 5 آلاف مبنى في البلاد أصبحت متداعية للسقوط وتهدد سلامة المارة والمتساكنين والأجوار، وذلك بسبب قدمها وعدم صيانتها.

وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 في حل الأزمة أو على الأقل الحد من مشاكل الإسكان على اعتبار أن سوق العقارات ظل رهينا للمضاربات وارتفاع التكاليف وعدم قدرة الكثيرين على تحمل أعباء إضافية لتدهور قدراتهم الشرائية، وهو ما حد من زخم التملك.

4