تونس تستكمل آخر محطة في مسارها الانتقالي

تونس - أنهت تونس الأحد آخر محطة في المسار الانتقالي الذي أعلنه الرئيس قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، بإجراء الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، وسيتعين لاحقا على السلطة مواجهة الوضع الاقتصادي، وهو التحدي الأبرز في ظل أزمة خانقة تواجهها البلاد.
ويرى مراقبون أن الانتهاء من هذا الاستحقاق، وبغض النظر عن نسب المشاركة فيه، سيضع حدا للجدل المثار على مدى نحو عامين بشأن غياب برلمان في البلاد، بعد أن تم تعليق عمل البرلمان السابق وحله لاحقا.
ووصفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نسب المشاركة بـ”المحترمة جدا” قياسا مع الدور الأول الذي شهد حضورا محتشما لم يتجاوز حاجز الإحدى عشرة في المئة.
وفي مركز اقتراع بمنطقة باردو محاذ لمبنى البرلمان، صوّت العشرات خلال الساعتين الأوليين من مجموع مسجلين يزيد عن 8 آلاف ناخب.
ويقول حسين العزوري المتقاعد (65 عاما) “قمت بالتصويت لأنه واجب ولكي نطوي صفحة ما مرّ، لا يجب ترك أي فرصة لعودة النظام القديم”.
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تصف نسبة المشاركة بـ"المحترمة جدا" قياسا مع الدور الأول الذي شهد حضورا محتشما
وتشاطره الرأي شريفة السيداني (72 عاما) التي قامت بالاقتراع لأنها “تريد مستقبلا أفضل للشباب”، الذي لم تشارك نسبة كبيرة منه في الدور الأول.
ويتنافس 262 مرشحا على 131 مقعدا في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خارطة طريق فرضها الرئيس سعيّد وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزّز على شاكلة ما قبل الثورة التونسية.
وكان الرئيس التونسي أعلن في الخامس والعشرين من يوليو 2021 تجميد أعمال البرلمان وحلّه لاحقا، وإقرار دستور جديد إثر استفتاء في الصيف الفائت أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.
وبرّر الرئيس قراره آنذاك بتعطّل عجلة الدولة على خلفيّة صراعات حادّة بين الكتل السياسيّة في البرلمان.
وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جدا من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس ولا مساءلته. ويتمتّع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين. ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يعيّنها الرئيس ثقة البرلمان.
وكانت الأحزاب السياسية المعارضة، وأبرزها حركة النهضة الإسلامية التي كانت أبرز المتضررين من إجراءات سعيّد، بحكم أنها من تولت قيادة البلاد خلال السنوات الماضية عبر توافقات سياسية، قد دعت إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة ما يحصل “انقلابا”.
ويرى متابعون للشأن التونسي أن بإنجاز الاستحقاق وتركيز المؤسسة التشريعية فإن أزمة المعارضة السياسية ستتعمق، وسيتعين عليها التعاطي مع الأمر الواقع.
وتعاني المعارضة في تونس من انقسامات، حيث إنها مجزأة إلى ثلاث كتل مختلفة التوجّهات، هي “جبهة الخلاص الوطني” التي تتزعّمها حركة النهضة، والحزب الدستوري الحرّ بقيادة عبير موسي التي تدافع عن خيارات نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، والأحزاب اليساريّة.
ودأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات للتنديد بقرارات سعيّد منذ أن أقرّها، ويلاحق القضاء العديد من قياداتها، نظر لتورطهم في ملفات على علاقة بالإرهاب والفساد.
ويرى المتابعون أن التحدي الأبرز الذي يواجهه الرئيس سعيّد بعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية ليس المعارضة، التي تعاني إلى جانب انقساماتها من رفض الشارع التونسي لها، بل هو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تتخبط فيها البلاد، لاسيما مع غياب أي مؤشرات حتى الآن على قرب التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
ويبدو أن هناك عوامل عدة تؤدي إلى إبطاء الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، أهمها وفق الباحث في “مركز كولومبيا” يوسف الشريف “دور الولايات المتحدة”، الفاعل الأبرز في صندوق النقد الدولي، والتي لديها تحفظات على النهج الذي تسلكه تونس.
وأعلنت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية موديز السبت خفض تقييم ديون تونس طويلة الأجل درجة إضافية إلى “سي.إي.إي 2” مع نظرة مستقبلية “سلبية”، مشيرة إلى وجود “مخاطر أكبر” في ما يتعلق بقدرتها على سداد مستحقاتها.
ويرسم الخبير السياسي حمادي الرديسي في تصريح لوكالة فرانس برس صورة قاتمة عن حال تونس، قائلا إنّ “الوضع الاقتصادي مأسوي والبلاد على وشك الانهيار”.
ومن مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من 3 في المئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 في المئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحرا نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.