تونس تستعين ثانية ببنكها المركزي لسداد ديونها الخارجية في 2025

7.08 مليار دولار قروض داخلية تحتاجها الحكومة في الميزانية الجديدة.
الأربعاء 2024/12/04
هل احتياطياتكم النقدية كافية؟

يمثل لجوء تونس مرة ثانية إلى بنكها المركزي لتوفير السيولة اللازمة من أجل الإيفاء بالتزامات الديون الخارجية إقرارا بجدوى الحلول التمويلية التي تدافع عنها السلطات لتفادي الوقوع في فخ صندوق النقد الدولي، رغم تداعياته المستمرة على الجدارة الائتمانية.

تونس- تعتزم الحكومة التونسية الاستعانة بالبنك المركزي مرة أخرى لسداد ديونها الخارجية وفوائدها للعام الثاني على التوالي، مع استمرار ركود الاقتصاد، بعد تعثر خطة إنقاذ محتملة من صندوق النقد الدولي، لم تعد ضمن اهتمام السلطات حاليا.

وقالت وزيرة المالية سهام البوغديري أمام البرلمان الاثنين إن الدولة تحتاج إلى اقتراض ما يصل إلى 7 مليارات دينار (2.2 مليار دولار) من البنك المركزي في عام 2025، مقترحةً تعديلا على ميزانية العام المقبل للسماح بذلك. وبالفعل أقر مجلس النواب بندا في قانون ميزانية 2025 يتعلّق بالترخيص للبنك المركزي بمنح تسهيلات للخزينة العامة للبلاد.

وأوضحت البوغديري أن الجزء الأكبر من هذا المبلغ سيُخصص لخدمة ديون تونس، بما في ذلك سندات اليوروبوند بقيمة مليار دولار المستحقة في يناير، وفقا لوكالة الأنباء التونسية.

وتواجه البلاد، التي تعاني من ركود اقتصادي منذ العام 2011 جراء تتالي الأزمات التي أرهقت القدرة الشرائية للتونسيين وقطاع الأعمال، صعوبات في تعزيز إيراداتها من القطاعات الرئيسية المولدة للعملة الأجنبية مثل الصناعات التحويلية والفوسفات.

سهام البوغديري: نحتاج إلى اقتراض 2.2مليار دولار من البنك المركزي
سهام البوغديري: نحتاج إلى اقتراض 2.2مليار دولار من البنك المركزي

وتضرر الاقتصاد بشدة من وباء كورونا وتداعيات الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى صعود صاروخي في التضخم واختفاء عدة سلع ضرورية من الأسواق، فضلا عن ارتفاع تكاليف الاقتراض من القطاع المصرفي.

وتوقفت المفاوضات حول دعم محتمل من صندوق النقد منذ أكثر من عام، بقيمة 1.9 مليار دولار، بعد رفض الرئيس قيس سعيد ما وصفه بـ”الإملاءات” الخارجية.

وبدلا من ذلك اعتمدت السلطات على مسار مختلف للحصول على التمويلات اللازمة، التي تحتاجها الدولة، عبر الإمعان في الاقتراض من السوق المحلية وزيادة الضرائب، وأيضا الحصول على خط ائتمان من البنك المركزي بقيمة 2.2 مليار دولار.

ويرفض قيس سعيد الإصلاحات التي حددها الصندوق للحصول على القرض، والتي تتضمن التقليص في حجم الأجور ورفع الدعم عن المواد الأساسية، لأنه يرى أنها طريقة تهدد السلم الاجتماعي.

وتعتبر هذه الخطوة غير التقليدية، الثانية على التوالي التي تلجأ فيها تونس إلى البنك المركزي للحصول على تمويل مباشر لميزانيتها وسداد ديونها في ظل حكم قيس سعيد الذي انتُخب لأول مرة قبل خمس سنوات.

ويعادل طلب الحكومة للقروض خلال عام 2025 حوالي 28 في المئة من احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية.

وتشير وثيقة مشروع الميزانية الجديدة التي تمت المصادقة عليها الاثنين الماضي إلى أن حجم القروض الداخلية سيتضاعف ليصل إلى نحو 7.08 مليار دولار من 3.57 مليار دولار العام الماضي.

في المقابل سيتراجع حجم القروض الخارجية إلى حوالي 1.98 مليار دولار في العام المقبل مقارنة مع 5.32 مليار دولار في 2024.

ويشكل توفير الديون اللازمة لتمويل احتياجات تونس الكبيرة أكبر التحديات، وقد انعكس ذلك العام الماضي في خفض جدارتها الائتمانية من قبل أبرز وكالات التصنيف العالمية.

وحصلت تونس على مساعدة مؤقتة من مصادر أخرى؛ حيث تلقت دعماً مالياً من السعودية في عام 2023، كما استفادت من عائدات غير متوقعة من صادرات زيت الزيتون هذا العام نتيجة نقص الإمدادات العالمية، وهو وضع قد لا يتكرر في عام 2025.

وتتطلع الحكومة إلى جني 9.7 مليار دولار العام المقبل من الضرائب لوقف دوامة العجز المالي. ومن هذا المجموع ينبغي أن تجني قرابة 7.1 مليار دولار من الشركات، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة.

وقبل المصادقة على ميزانية 2025 أرسل صناع القرار السياسي في تونس إشارات متفائلة حيال انتعاش الاقتصاد خلال العام الحالي والعام المقبل، رغم التحديات الكثيرة التي لا تزال جاثمة على المؤشرات بفعل ضغوط التضخم.

وتوقع رئيس الحكومة كمال المدوري الجمعة خلال افتتاح نقاشات مشروع قانون الميزانية مطلع نوفمبر، أمام غرفتي البرلمان، أن يتعافى نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي مدفوعا بتحسن أداء قطاعي الزراعة والسياحة.

وفي أكتوبر الماضي أبدى صندوق النقد في أحدث تقييماته تشاؤما من بطء مسار ترميم الاقتصاد التونسي على النحو الأمثل على الرغم من المحاولات المضنية التي تقوم بها السلطات لتحفيز النمو وقلب المؤشرات السلبية إلى إيجابية.

مؤشرات لحالة الاقتصاد في 2024

  • 175 دولارا شهريا الحد الأدنى للأجور
  • 54.7 مليار دولار حجم الاقتصاد
  • 16 في المئة معدل البطالة خلال الربع الثاني
  • 13.6 ألف دولار نصيب الدخل السنوي للفرد
  • 6.7 في المئة معدل التضخم
  • 1.6 في المئة نسبة نمو الناتج المحلي

وقال مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الصندوق جهاد أزعور في مقابلة مع وكالة الأنباء التونسية الرسمية “رغم بوادر التحسن على المستوى الاقتصادي، التي سجلتها البلاد، فإن النمو يبقى ضعيفا جدا ما يستوجب إجراء إصلاحات هيكلية.”

وأكد على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين بالعاصمة الأميركية واشنطن أنه لا توجد أي مفاوضات للصندوق مع تونس بخصوص تمويل جديد.

وشدد أزعور على أن الاقتصاد التونسي في حاجة ماسة إلى إزالة التحديات التي تتعلق أساسا بتعزيز الاستثمارات وتوفير المزيد من فرص العمل مع إرساء إصلاحات كفيلة بحفز النمو والتحكم في التضخم وتشجيع القطاع الخاص بشكل أكبر.

وأوضح أن الوضع شهد بعض التحسن، على مستوى التجارة الخارجية والزراعة، لكن يبقى النمو منخفضا في حدود 1.6 في المئة لهذا العام والعام المقبل وفق توقعات الصندوق الصادرة الثلاثاء الماضي، في تقريره “آفاق الاقتصاد العالمي”.

ويعد هذا المستوى الأضعف بين دول شمال أفريقيا، حيث تتجه ليبيا إلى تحقيق نمو هذا العام قدره 6.2 في المئة، وبالنسبة إلى مصر سيبلغ 4.1 في المئة وموريتانيا 4.2 في المئة والمغرب 3.6 في المئة والجزائر حوالي ثلاثة في المئة.

ومن المتوقع أن يبلغ حجم الاقتصاد التونسي في 2024 نحو 54.7 مليار دولار، فيما سيسجل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 13.6 ألف دولار، وفق بيانات صندوق النقد وتريدينغ إيكونوميكس ومعهد الإحصاء التونسي.

أما التضخم فسجل نحو 6.7 في المئة على أساس سنوي في أغسطس الماضي، فيما بلغ الحد الأدنى للأجور 175 دولارا شهريا، ووصل معدل البطالة خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى 16 في المئة.

وسجلت تونس تقلصا في فجوة العجز التجاري خلال العام الجاري، في إشارة إلى إصرار الحكومة على تنمية الصادرات مع كبح الواردات للحفاظ على مستوى الاحتياطيات النقدية.

وتظهر بيانات لمعهد الإحصاء أن العجز تراجع خلال الأشهر العشرة الأولى بشكل طفيف ليبلغ 5 مليارات دولار، مقارنة مع 5.04 مليار دولار قبل عام.

11