تونس تستجيب لضغوط دولية تطالب بتسريع عودة الجهاديين

استجابت الحكومة التونسية لضغوط دولية تطالب بتسريع عودة الجهاديين إلى بلدانهم الأصلية، حيث استلمت الجمعة أربعة إرهابيين كانوا ينشطون في سوريا وصادرة بحقهم بطاقات جلب من القضاء. ورغم إقرار السلطات بجاهزيتها لتنظيم هذه العودة وإيجاد آلية مناسبة للتعامل مع العائدين من بؤر التوتر، إلا أن طيفا سياسيا وشعبيا واسعا يحذّر من هذه الخطوة لما تحمله من مخاطر أمنية في وقت مازالت فيه حالة الطوارئ سارية في البلاد.
تونس - قال رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في تونس، إن الدولة “مهيّأة” لاستقبال المجموعات الإرهابية العائدة من مناطق النزاعات أو التي جرى ترحيلها إلى تونس.
وأوضح المختار بن نصر، العميد المتقاعد بالجيش التونسي ورئيس اللجنة أن الدولة، بما في ذلك جهاز القضاء، اتخذت كل الاحتياطات اللازمة بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة حتى لا يشكلوا (العناصر الإرهابية) خطرا على الأمن الوطني وعلى المساجين أيضا.
ويأتي تصريح بن نصر إثر الإعلان في وقت سابق الجمعة عن استلام تونس لأربع عناصر إرهابية بالتنسيق مع السلطات السورية. وكان المتحدث باسم القطب (الجهاز) القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السليطي أفاد لوكالة الأنباء الألمانية بأن “العناصر الإرهابية الأربعة صادرة بحقهم محاضر تفتيش وبطاقات جلب وتتعلق بهم قضايا إرهابية. كما أنهم تلقوا تدريبات والتحقوا بتنظيم داعش المتطرف”.
وبحسب المتحدث، فقد التحق المتشددون بسوريا بين عامي 2013 و2015. وأحيل اثنان من الموقوفين إلى وحدة مكافحة الإرهاب بالقرجاني في العاصمة، فيما أحيل الاثنان الآخران إلى الحرس الوطني.
وقال رئيس لجنة مكافحة الإرهاب (حكومية) لإذاعة محلية خاصة إن “تونس استقبلت دفعات من الإرهابيين العائدين ويبلغ عددهم حوالي ألف إرهابي، وقد أصدر القضاء حكمه ضدهم”. وتابع أن “الإدارة العامة للسجون والإصلاح اتخذت في شأن هذه العناصر الخطيرة الإجراءات الخصوصية وتم تخصيص قاعات وزنزانات خاصة بهم حتى لا يختلطوا بسجناء الحق العام”.
وعودة المقاتلين من الخارج مصدر خلاف بين الأحزاب في تونس، حيث يرفض طيف سياسي وشعبي واسع عودة الإرهابيين لما يمثله هؤلاء من تهديد لأمن البلاد، كما يشككون في جاهزية الحكومة للتعامل مع العائدين من بؤر التوتر.
وأكد الطيب المدني، النائب عن حزب نداء تونس “للعرب” رفضه لعودة الإرهابيين إلى تونس. واعتبر أن أجهزة الدولة مازالت غير مستعدة لذلك.
وأضاف أن “السجون غير مهيأة كما أن طاقة الاستيعاب لا تسمح، وأن الإرهابيين العائدين سيكنون خطرا حقيقيا على بقية المساجين خاصة في ظل وجود مخاوف حقيقية لاستقطابهم.”
ويقول متابعون إن الحكومة التونسية مجبرة على استقبال جهاديين تونسيين نتيجة ضغوط خارجية ومستجدات ملفات الشرق الأوسط خاصة بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قرار سحب قوات بلاده من سوريا.
ودفع الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب في ديسمبر الماضي عن سحب قوات بلاده من سوريا، إلى بدء العد العكسي للحكومات التي لديها جهاديين لإيجاد طريقة لنقلهم إلى بلدانهم.
ورغم أن واشنطن تؤكد استعداداها لمساعدة الدول التي تريد إعادة الجهاديين المعتقلين من مواطنيها مع عائلاتهم من سوريا إلى بلدانهم، إلا أنها تشدد في الوقت نفسه على ضرورة إتمام الأمر بشكل سريع.
وأقر المدني بممارسة المجتمع الدولي ضغوطا على تونس لاستقبال جهاديين ممن يحملون الهوية التونسية. واعتبر أن هذه الضغوط يفرضها القانون الدولي الذي يطالب بعودة الجهاديين إلى بلدانهم الأصلية.
ويرى المتابعون أن دستور 2014 يلزم البلاد باستقبال الجهاديين بما أنهم رعايا تونسيون. وتقول السلطات إن الدستور يمنع حرمان أي مواطن من العودة إلى بلاده أو تجريده من جنسيته. كما أن الأمم المتحدة حثت تونس ودولا أخرى على استعادة مقاتليها من مناطق النزاع لمقاضاتهم وإعادة إدماجهم.
وفيما يستبعد خالد عبيد المحلل السياسي لـ”العرب” رضوخ الحكومة لضغوط دولية بما أن تونس ملزمة وفق الدستور بعدم منع أي تونسي مهما كان من الدخول إلى أراضيها، إلا أنه طرح تساؤلا عن كيفية التعامل الحكومي مع الجهاديين العائدين خاصة وأن استراتيجيتها في هذا الملف مازلت غير واضحة.
وأضاف بقوله “هذا الأمر يتوقف على وجود إرادة سياسية قادرة على ترجمة هذا الرفض الشعبي لعودة هؤلاء من خلال محاكمتهم والتعاطي معهم قضائيا”. ويشير عبيد إلى أن عودة الجهاديين باتت أمرا محسوما منذ القرار الأميركي، وهو ملف لا يؤرق تونس فقط بل كذلك الدول الأوروبية.
والعديد من الدول التي كانت اختارت إبقاء الجهاديين من مواطنيها في سجون قوات سوريا الديمقراطية مثل فرنسا مثلا، باتت اليوم تواجه معضلة لها تشعّبات دبلوماسية وقانونية ولوجيستية وسياسية. إذ كيف يمكن نقل جهاديين محتجزين في منطقة حرب لدى قوات تسيطر على أراض وليست لها صفة دولة، مع العلم أيضا أن الرأي العام الفرنسي لا يرحب كثيرا بعودة هؤلاء ولم ينس بعد سلسلة الهجمات الجهادية التي ضربت مناطق عدة من البلاد خلال السنوات القليلة الماضية.
ورغم الصعوبات، وبسبب القرار الأميركي الضاغط، يبدو أن بعض الدول، وبينها تونس وفرنسا، قررت نقل مواطنيها من الجهاديين إلى أراضيها.
وحذّر ناجي جلول، رئيس المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية في تصريح لإذاعة محلية خاصة الجمعة، من “مخاطر عودة العمليات الإرهابية”.
وقال إن “الحكومة وبقية المكونات السياسية منشغلة بالانتخابات وهي فترة يمكن أن تستغلها الجماعات الإرهابية في نشاطها، داعيا إلى تجفيف منابع الأموال المتأتية من التهريب والمرتبط بالإرهاب”.
وتجري في تونس ملاحقة العائدين ممن قاتلوا في صفوف الجماعات المتشددة عبر قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال الذي صدر في العام 2015.