تونس تزيد الضرائب على أصحاب الدخل المرتفع والشركات في 2025

الإجراءات تسعى لمعالجة أزمة المالية العامة الخانقة في ظل عجز مالي لا يزال كبيرا وديون ضخمة.
الخميس 2024/10/17
نحو تعزيز العوائد المالية

تونس - تعتزم الحكومة التونسية زيادة نسب الضرائب المفروضة حاليا على الموظفين والشركات بداية من عام 2025 لتعزيز عوائدها المالية، أمام ضعف مؤشرات الاقتصادية الحالية.

وتسعى الإجراءات إلى معالجة أزمة المالية العامة الخانقة، في ظل عجز مالي لا يزال كبيرا وديون ضخمة في خطة قد تثير غضب الاتحاد العام التونسي للشغل، نقابة العمال القوية، وأيضا أوساط الأعمال والخبراء.

ويتوقع أن تؤثر الحزمة الجديدة التي تأتي في سياق برنامج الإصلاح الاقتصادي، التي تطمح إليها الحكومة لردم الفجوة الكبيرة في عجز الميزانية، بشكل غير مسبوق على قطاع الاستثمار والأفراد والتجار.

واعتبر خبراء أن حزمة الضرائب التي ستقرها تونس في ميزانية 2025 بعد إقرارها من قبل البرلمان ستكون الأقسى على الإطلاق، وهو ما يكشف حجم الضغوط المالية المسلطة على الدولة.

وأظهر مشروع الميزانية أن الحكومة سترفع الضرائب على الموظفين أصحاب الدخل العالي وعلى الشركات، بينما ستضاعف تقريبا الدين المحلي في 2025 وسط استمرار عجزها عن الحصول على التمويلات الخارجية الكافية لتمويل الميزانية.

في المقابل ستخفض الحكومة الضرائب على أصحاب الدخل الضعيف، وهو ما يعني أنها راعت ظروف شريحة واسعة من الناس الذين يعانون منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية مطلع 2022 من ضغوط معيشية حادة بسبب ارتفاع التضخم.

وتقول الحكومة إن مشروع الميزانية تضمّن عددا من الإجراءات المالية والضريبية لتكريس خيار العدالة الجبائية، ولتعزيز القدرة الشرائيّة، ولحفز الاستثمار، ولمواصلة تدعيم أسس الدولة الاجتماعية، ولتعزيز استدامة المالية العمومية.

◙ 9.7 مليار دولار حجم العوائد الجبائية التي تستهدفها الحكومة من قانون الميزانية الجديد

وتعتزم تونس جني 30 مليار دينار (9.7 مليار دولار) العام المقبل من الجباية لوقف دوامة العجز العام. ومن هذا المجموع ينبغي أن تجني قرابة 22 مليار دينار (7.1 مليار دولار) من الشركات، ولاسيما الصغيرة والمتوسطة.

ومن المتوقع أن يتم فرض الضرائب على الشركات التي يفوق رقم معاملتها السنوي 20 مليون دينار (3.3 مليون دولار) من 15 إلى 20 في المئة.

واللافت أن حجم الميزانية سينخفض من 77 مليار دينار (25.2 مليار دولار) في 2024 إلى 63 مليار دينار (20.45 مليار دولار) مع تسجيل عجز قدره 3.1 مليار دولار.

ويبقى الجزء الأهم من المداخيل الضريبية الذي ستجنيه الحكومة من الجباية غير المباشرة، وكذلك الضرائب على الدخل، والتي يتم اقتطاعها من رواتب أكثر من 700 ألف موظف في القطاع العام ونحو 1.5 مليون موظف في القطاع الخاص.

وهذه الزيادات ستكون للعام الرابع على التوالي منذ تخفيفها في عامي 2019 و2020، فقد سبّبت التدابير الجبائية في ميزانية هذا العام ارتفاع الضغط الضريبي إلى 25.4 في المئة مقارنة مع 24.4 في المئة عام 2021.

ومنذ 2011 تواجه الدولة معضلة في تعزيز إيراداتها لمواجهة الاختلالات المالية المتزايدة، وخاصة ما تعلق بوضع حدّ للتهرب الضريبي الذي كبّد خزينة الدولة خسائر كبيرة، في ظل ضغوط داخلية وخارجية لاعتماد إصلاحات عاجلة.

وتظهر بعض التقديرات أن الخزينة العامة تخسر قرابة خمسة مليارات دينار (1.54 مليار دولار) كل عام بسبب عدم التصريح الحقيقي عن ضريبة القيمة المضافة. وستكون البنوك وشركات التأمين مطالبة بدفع ضريبة على الأرباح تبلغ 40 في المئة بشكل دائم.

وقال هشام العجبوني من حزب التيار الديمقراطي المعارض “من الواضح أن النموذج الاقتصادي يقوم على فكرة: كيف نتقاسم الفقر؟ وليس: كيف نخلق الثروة ونخرج التونسيين من الفقر؟”.

وكثيرا ما ينتقد الرئيس قيس سعيد البنوك الخاصة، ويقول إنها تحقق أرباحا ضخمة بينما يجب أن تحاول مساعدة الاقتصاد في هذه الأوقات الدقيقة من تاريخ البلاد.

◙ الحزمة الجديدة يتوقع أن تؤثر بشكل غير مسبوق على قطاع الاستثمار والأفراد والتجار

وأصبحت البنوك الخاصة الآن المقرض الرئيسي للحكومة وسط عجزها عن تأمين القروض الخارجية. لكن خبراء محليين قالوا إن الاقتراض المجحف من البنوك المحلية يهدد بنقص السيولة وإغراق القطاع المصرفي في أزمة.

وتشير وثيقة مشروع الميزانية الجديدة إلى أن حجم القروض الداخلية سيتضاعف ليصل إلى نحو 7.08 مليار دولار من 3.57 مليار دولار العام الماضي، بينما سيتراجع حجم القروض الخارجية إلى 1.98 مليار دولار في 2025 مقارنة مع 5.32 مليار دولار في 2024.

وقال مصدر مصرفي لرويترز إن “من بين الفرضيات المطروحة اللجوء إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي مجددا، وهي الخطوة التي قد تثير مخاوف من تضخم لا يمكن السيطرة عليه”.

وحصلت الحكومة في فبراير الماضي على تمويل مباشر استثنائي من البنك المركزي بقيمة 2.25 مليار دولار لسد العجز في ميزانية هذا العام.

وأظهر مشروع قانون موازنة 2025 أن من بين الفرضيات أيضا إصدار سندات إسلامية لأول مرة لتعبئة موارد الميزانية، دون الإشارة إلى مبلغ محدد.

وتظل التحديات المرتبطة باستقرار الاقتصاد الكلي وإدارة التضخم كبيرة، إذ أن التدابير الرامية إلى دعم التوظيف وتحفيز الاستثمار الخاص ستكون حاسمة لتحقيق انتعاش اقتصادي أكثر قوة ونمو مستدام.

وتتوقع الحكومة في ميزانية 2025 معدل نمو اقتصادي يبلغ 2.9 في المئة، ولكنه يظل أقل بكثير من المتوسط المسجل قبل 2010 عند نحو 5.4 في المئة، وبالتالي فهو غير كاف لضمان الرفاه الاجتماعي والنمو والتنمية.

10