تونس تراهن على ليبيا كمتنفّس في أزمتها الاقتصادية

السلطات التونسية تقرر تعديل سياستها حيال ليبيا.
السبت 2022/11/19
الاتفاق على إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة

طرابلس - أبدت أوساط سياسية تونسية ارتياحها للزيارة التي قام بها وفد من الحكومة التونسية إلى العاصمة الليبية طرابلس، وإبرامه اتفاقيات مهمة مع حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، من أهمها إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة، وهو مشروع طموح كان مطروحا في السابق لكنه تأجل لأسباب مختلفة.

وترى الأوساط نفسها أن خطوة حكومة نجلاء بودن بالانفتاح على الجانب الليبي، بالرغم من كونها تأخرت كثيرا، إلا أنها تبقى مهمة، لاسيما وأن تونس في حاجة أكيدة إلى دعم محيطها الخارجي في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها في ضوء تراجع الرهان على دعم الشركاء الدوليين التقليديين.

ولطالما شكلت ليبيا على مر العقود الماضية متنفسا اقتصاديا كبيرا لتونس، لاسيما في الظرفيات الحرجة التي مرت بها البلاد، لكن هذا المتنفس تأثر مع رياح ما سمي بـ”الربيع العربي” والتي أطاحت بنظامي الرئيسين الراحلين التونسي زين العابدين بن علي والليبي معمر القذافي.

عبيد البريكي: هناك حاجة تونسية إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع ليبيا
عبيد البريكي: هناك حاجة تونسية إلى تطوير العلاقات الاقتصادية مع ليبيا

واستمر الوضع على حاله خلال السنوات الماضية في ظل انشغال كل طرف بأزماته الداخلية، واختيار تونس النأي بنفسها عما يجري بالبلد الجار خشية أن تحسب على أي من أطراف الصراع الليبي، لكن هذا التوجه كلف تونس الكثير، لاسيما اقتصاديا.

ويرى مراقبون أن السلطة السياسية في تونس يبدو أنها قررت تعديل سياستها حيال ليبيا، والخروج من مربع الحياد السلبي، في سياق مساعيها لإيجاد من يساعدها على الخروج من أزمتها، خصوصا وأنها لم تحقق الكثير على هذا المستوى من تركيزها على توثيق الروابط مع الجارة الأخرى الجزائر.

ووقّعت ليبيا وتونس الأربعاء اتفاقيات تعاون اقتصادي بينها إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة بمعبر رأس جدير الحدودي بين البلدين.

وجاء ذلك خلال زيارة وفد وزاري تونسي إلى طرابلس يضم وزراء الصناعة والطاقة والنقل والتجارة ومدير الشركة التونسية لصناعات التكرير.

ووفق بيان لحكومة الوحدة الوطنية الليبية “وقع وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج مع وزيرة التجارة وتنمية الصادرات التونسية فضيلة بن حمزة اتفاقية تشمل إنشاء منطقة اقتصادية حرة مشتركة بمعبر رأس جدير (شمال)”.

وأضاف أن الاتفاقية تتضمن “رفع القيود على مواطني البلدين إلى جانب التعاون والتبادل التجاري ورفع القيود وتسهيل إجراءات دخول السلع ذات المنشأ الأجنبي إلى ليبيا عبر الموانئ التونسية”.

وأوضح البيان أن الاتفاقية تشمل أيضا “دعوة رجال الأعمال الليبيين والتونسيين للمشاركة والاستثمار في مشاريع البنية التحتية في البلدين وتشكيل فريق عمل مشترك للأمن الغذائي والدوائي”.

وأشاد عبيد البريكي أمين عام حركة تونس إلى الأمام بزيارة الوفد الوزاري التونسي إلى طرابلس وما تحقق خلالها من اتفاقيات، قائلا إن “الزيارة قد تكون تأخرت باعتبار الوضع السائد في ليبيا، لكنها مهمة جدا من حيث توقيتها لاسيما في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس”.

محمد ذويب: زيارة الوفد التونسي قد تساهم في توفير حلول جزئية
محمد ذويب: زيارة الوفد التونسي قد تساهم في توفير حلول جزئية

وأكد وزير التشغيل الأسبق في تصريحات لـ”العرب” على أن “الوضع الصعب الذي تعيشه تونس نتيجة عوامل داخلية ودولية متشابكة يدفع الحكومة التونسية نحو تطوير العلاقات مع ليبيا في المجال الاقتصادي الذي قد يكون متنفسا، فضلا عن أهمية التنسيق الأمني المشترك على الحدود”.

وأشار البريكي إلى أن “الزيارة ستدفع نحو تعميق النقاش في هذه المرحلة”، منتقدا التعاطي التونسي السلبي مع الشأن الليبي خلال المرحلة الماضية، قائلا “كان من المفروض أن تكون تونس سبّاقة قبل 25 يوليو في احتضان المبادرات التي يمكن أن تخرج ليبيا من أزمتها، لكن هيمنة تيار سياسي في تونس حال دون ذلك التمشّي، وبعد 25 يوليو تغيّر الوضع وأصبحت تونس تبحث عن عدم الانحياز الفعلي”.

وتم خلال زيارة الوفد الحكومي التونسي إلى طرابلس “إبرام اتفاقية توأمة بين مجلسي المنافسة الليبي ونظيره التونسي والتأكيد على تطبيق الاعتراف المتبادل بشهادتي المطابقة والجودة”.

واتفق الطرفان، وفق بيان حكومة الوحدة، على “تدشين خط بحري لنقل الركاب والبضائع بين الموانئ الليبية والتونسية وتشكيل فريق فني من وزارتي المواصلات الليبية والتونسية لإعداد التهيئة لافتتاحه نهاية العام الجاري”.

وأوضح البيان أن الجانبين وقعا كذلك “مذكرة تفاهم للتعاون العلمي والفني في مجال الأرصاد الجوية والمناخ ومواجهة التغير المناخي”.

والتقى الوفد الوزاري التونسي خلال زيارته إلى العاصمة الليبية برئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة الذي حض على “ضرورة تكثيف التعاون الأمني بين ليبيا وتونس وزيادة التبادل التجاري بينهما وتسهيل القيود في هذا المجال”.

واعتبر الكاتب والمحلل السياسي التونسي محمد ذويب أن “زيارة الوفد التونسي إلى ليبيا تعتبر نقطة مهمة نتمنى أن يتمّ دعمها مستقبلا خاصة وأن البلدين يشهدان أزمة خانقة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الزيارة قد تساهم في توفير حلول ولو جزئية لتونس، ولكن الوضع في ليبيا ليس على أحسن ما يرام خاصة من الناحية السياسية في ظل التوترات الجارية بين الفرقاء والذي كانت آخر تمظهراته التوتر المستجد بين رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري والدبيبة”.

وأكّد ذويب أنه “في صورة النجاح في تطبيق الاتفاقيات أو مخرجات الزيارة فإن الفائدة حاصلة للشعبين وهذا ما نتمناه”.

وجاءت زيارة الوفد التونسي في أعقاب حوار أجراه رئيس الوزراء الليبي مع إذاعة “موزاييك” التونسية أكد خلاله على وجود اتصالات رفيعة المستوى تجري بين حكومته ونظيرتها التونسية، وأن هناك تحضيرات لزيارة قريبة ستقوم بها رئيسة الوزراء التونسية إلى طرابلس.

وأوضح الدبيبة أن العلاقة بين حكومته وتونس شهدت سوء تفاهم في إحدى الفترات (بعد الخامس والعشرين من يوليو) بفعل تدخلات لقوى حزبية (لم يكشف عنها) أرادت إحداث وقيعة بين الجانبين، مشددا على أنه تم تجاوز ذلك.

واعتبر المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت أن “زيارة الوفد التونسي هي نقلة نوعية في العلاقات بين الطرفين، وأن هناك قناعة لدى الحكومة التونسية بأهمية التوجه إلى استعادة نسق العلاقة مع الدولة الجارة”. وقال في تصريح لـ”العرب” إنه “من المؤكد أن ليبيا تشكل متنفسا اقتصاديا لتونس، وهناك إمكانات استثمارية وتجارية، علاوة على وعي حكومي في تونس بأن ليبيا هي شريك إستراتيجي في التعاون المشترك والعلاقات التجارية التقليدية”.

4