تونس تراهن على تسوية عاجلة للأموال المنهوبة لتجاوز أزمتها المالية

الرئيس التونسي يدعو كل الأطراف المتداخلة في ملف الصلح الجزائي مع رجال الأعمال إلى تظافر الجهود لاستعادة هذه الأموال التي أكد أنها كثيرة وستغني البلاد عن أي طرف خارجي.
الأربعاء 2023/06/21
قيس سعيد يحذّر من حنين البعض إلى الكومسيون المالي

تونس – يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد، مع تواصل الأزمات المالية والاقتصادية، للبحث عن حلول داخلية لتمويل الخزينة العامة دون اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، فبعد فتحه ملف الفوسفات عاد إلى قضية الأموال المنهوبة التي قال إنها كثيرة وإن "استعادتها سيغني البلاد عن أي طرف خارجي"، محذرا في ذات الوقت من "حنين البعض إلى الكومسيون المالي".

ولا يزال التقدم في ملف استرجاع الأموال المنهوبة متعثرا، وهو الملف الذي يعتبر من بين أبرز الملفات التي تعهد سعيّد بتسويتها بعد اتخاذه للإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو 2021.

ويسعى الرئيس التونسي تحقيق تقدم في هذا الملف للخروج من الأزمة المالية التي تمر بها البلاد حيث يمثل المبلغ أكثر من ضعفي التمويل التي تطالب به تونس من صندوق النقد الدولي والمقدر بنحو 1.9 مليار دولار.

ودعا الرئيس سعيد خلال لقائه بأعضاء اللجنة المعنية بملف الصلح الجزائي في مقرها بالعاصمة الثلاثاء، إلى تضافر جهود الجميع في هذه المرحلة التاريخية من مسار البلاد، معتبرا أنها معركة تحرير وطني.

وأكد قيس أنه "لا مجال للتفريط في أي مليم من الأموال المقدرة بملايين الدينارات، حيث حذر من أي تحايل بخصوص ملفات الصلح الجزائي، التي حدد أعضاء اللجنة عددها بحوالي 130، تم إنجاز بعضها وإيداع حوالي 5 مليون دينار منها في الخزينة العامة للبلاد".

وشدد على "ضرورة التنسيق بين كل الأجهزة المتدخلة في ملف الصلح في أقرب الآجال، مع إمكانية تجاوز بعض العقبات المسجلة على مستوى النص القانوني المنظم للعملية (مرسوم) الصادر في 20 مارس 2022، ويتضمن 50 فصلا."

كما دعا إلى "الكف عن التخفي وراء النصوص أو الفصول القانونية لتعطيل عمل الصلح الجزائي، مطالبا القضاة الشرفاء بالانخراط في الحرب على الفساد ومحاربة المفسدين".

وفي حديثه مع أعضاء لجنة الصلح، حذّر رئيس التونسي من "حنين البعض إلى الكومسيون المالي الذي مهّد لاحقا لاحتلال البلاد".

وكان سعيد قد أقال في مارس الماضي مكرم بنمنا رئيس اللجنة الوطنية للصلح الجزائي وذلك تعبيرا على ما يبدو عن استيائه من التقصير في استرداد الأموال المنهوبة بينما تواجه تونس أسوأ أزماتها المالية على الإطلاق، والتي تفاقمت بسبب الفشل في دفع عجلة التنمية.

وأنشأ سعيّد هذه اللجنة في مارس 2022 وعيّن في نوفمبر الماضي، أعضاءها وتتمثل مهامهم في إبرام صلح جزائي مع المتورطين في الفساد من رجال أعمال قبل ثورة 2011، وكانت الحكومة التونسية أعدت فيهم قائمة في العام 2012.

ويهدف الصلح الجزائي إلى استعادة أموال الدولة المنهوبة من قبل من تورط في "نهب" المال العام، وتوظيفها في تحقيق مشاريع واستثمارات في البلاد.

ويطالب برنامج الصلح الجزائي رجال الأعمال المتورطين في نهب ثروات تونس بإنجاز مشاريع تنموية داخل المناطق المفقرة والأقل حظا في التنمية، تتعلق ببناء مدارس ومستشفيات ومرافق خدمات وخلق موارد رزق للعاطلين عن العمل في البلاد.

وسبق أن أكد الرئيس التونسي أن عدد المعنيين بالصلح الجزائي 460 شخصا وهم معلومو الأسماء ولديهم ملفات، معربا عن استغرابه من تخفيض عددهم حتى وصل إلى صفر رغم اعتراف المتهمين في قضايا الفساد.

وصرّح سعيد بأن الأموال المنهوبة من البلاد تبلغ 13.5 مليار دينار (نحو 5 مليارات دولار) ويجب إعادتها مقابل صلح جزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهبها".

ويسعى سعيّد إلى استكمال مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حد للنظام البرلماني الذي أقر إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ووضعت البلاد على طريق انتقال ديمقراطي كان الوحيد في المنطقة بعد ثورات "الربيع العربي".

وأطلق السلطات التونسية منذ إجراءات 25 يوليو 2021 حملة واسعة لمكافحة الفساد لمواجهة الاحتكار والمضاربة، وهي استمرار لبرنامج أعلنت عنه السلطات منذ أكثر من سنة، وتمت بمقتضاه توقيفات في صفوف تجار جملة ورجال أعمال واجهوا خلالها تهم ممارسة الاحتكار والمضاربة بإخفاء مواد وتخزينها.

و شملت التوقيفات رجال أعمال وجهت إليهم تهم التآمر على أمن الدولة الغذائي، وأطلقت وزارة التجارة حملات رقابية في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لمقاومة المضاربة والاحتكار في المواد الأساسية، وكشفت عن كميات من المحجوزات التي تمثلت في أطنان من السلع بمخازن في محافظات مختلفة، في حين وصف الرئيس التونسي المضاربين بالفاسدين معتبراً أن التوازنات الحقيقية تستوجب محاربة الفساد والمتلاعبين بقوت الشعب، واتهم المحتكرين بالتواطؤ مع أطراف معلومة لتجويع التونسيين بهدف إحداث اضطرابات اجتماعية.