تونس تراهن على التدريب المهني لتمكين النساء اقتصاديا

يعد التدريب المهني لدى التونسيين بمثابة فرصة أخرى في المصعد الاجتماعي، فالمجتمع بحاجة إلى التعليم وإلى التدريب المهني باعتباره يفتح آفاقا واسعة في سوق الشغل ويعد رافدا أساسيا للتمكين الاقتصادي للنساء ويصبح آليا ووجوبيا بالنسبة للنساء اللاتي ليست لديهن شهائد جامعية لتأمين انتفاعهنّ ببرامج التمكين الاقتصادي سواء القائمة على قروض أو موارد رزق.
تونس - راهنت الدولة التونسية منذ الاستقلال على التدريب المهني (التكوين المهني) باعتباره فرصة ثانية للمتعثرين دراسيا. وتزايد الإقبال خلال السنوات الأخيرة على هذا المسار التعليمي الذي يسهل دخول المنقطعين عن الدراسة إلى سوق العمل بعد تدربهم على حرف يدوية ومهن لا تحتاج مستويات تعليمية عالية. ويعد هذا البرنامج التعليمي فرصة أخرى أيضا للنساء اللواتي أجبرن على ترك مقاعد الدراسة في سن مبكر، لذلك يعد رافدا أساسيا للتمكين الاقتصادي للأسر والنساء.
وقالت آمال بن الحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، “تجب المراهنة على التدريب المهني باعتباره فرصة أخرى في المصعد الاجتماعي فالمجتمع بحاجة إلى التعليم وإلى التدريب المهني”. ويعتبر التدريب المهني أو التعليم المهني مجالا لكسب المعرفة والخبرة العلمية والعملية وممارسة التدريب والتطبيق العملي في العديد من الميادين الحرفية والمهنية. كما يمكّن المتدرب من ولوج عالم الشغل (حسب طبيعة التخصص ومدى أهميته في سوق العمل) بعد فترة تكوين تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.
ولدى مشاركتها بمدينة الثقافة في فعاليّات افتتاح الملتقى الوطني للتدريب المهني، أكّدت الوزيرة في تصريح إعلامي بالمناسبة أنّ التمكين المهني دعامة أساسية للتمكين الاقتصادي للنساء والفتيات والأسر، ويمثل خيارا إستراتيجيا للوزارة، مشيرة إلى أنّ 70 في المئة من المنتفعات من البرنامج الوطني لريادة الأعمال النسائيّة والاستثمار “رائدات” قمن بتكوين مهني خصوصي من أجل الانتفاع بمشروع. أمّا بالنسبة للنساء اللاتي ليست لديهن شهائد جامعية فإنّ التدريب المهني يصبح آليا ووجوبيّا لتأمين انتفاعهنّ ببرامج التمكين الاقتصادي سواء القائمة على قروض أو موارد رزق.
وبيّنت بلحاج موسى أن قرابة 57 في المئة من المنتفعات ببرنامج “رائدات” هنّ من صاحبات الشهائد الجامعية، موضّحة أن بعض الشهائد الجامعية باعتبار أنها تجد صعوبة نسبيّة في سوق الشغل فإن هناك طلبات من أجل التدريب المهني لهنّ في المجالات المجدّدة وذات القيمة المضافة العالية والتي يمكن أن تكون أكثر تشغيلية.
ويهدف برنامج رائدات إلى دفع المبادرة الاقتصادية النسائية وريادة الأعمال من خلال تشجيع الفتيات على بعث مشاريع استثمارية خاصّة بهنّ، ويوفّر التمويل لإسناد قروض متناهية الصغر وصغرى ومتوسطة بشروط تفاضليّة وميسّرة وبسقف تمويل يصل إلى 300 ألف دينار (96 386 دولارا).
كما أفادت الوزيرة بأن النساء يمثّلن 80 في المئة من الحرفيين في مجال الصناعات التقليدية و70 في المئة من اليد العاملة في المجال الفلاحي و8 في المئة من صاحبات المشاريع الفلاحيّة. وساهم البرنامج الوطني لريادة الأعمال النسائية والاستثمار “رائدات ” في دعم استقرار الأسر من الناحية الاقتصادية من خلال تمويل 3679 مشروعا نسائيا منذ انطلاقه في أغسطس 2022 وتوفير ما يقارب 5605 مواطن شغل مباشر.
كما مكّن البرنامج النموذجي الجديد للتمكين الاقتصادي للعاملات في القطاع الفلاحي إحداث 75 مورد رزق خلال سنة 2023، كدفعة أولى بولايتي سيدي بوزيد والقيروان والانطلاق في تعميم التجربة بصفة تدريجية بإضافة ولاية القصرين وتحديدا حاسي الفريد، وقد تمت مضاعفة اعتمادات البرنامج خمس مرات في قانون المالية 2024.
وأكدت الوزيرة أنّ من منطلق القناعة بأهميّة التكوين المهني كرافد أساسي للتمكين الاقتصادي للأسر والنساء أمضت الوزارة اتفاقية شراكة مع وزارة التشغيل والتكوين المهني وتمّ الانطلاق في تنفيذ البرنامج في مراكز الفتاة الريفية بكل من سبيطلة بولاية القصرين (وسط) وبولاية جندوبة (شمال غرب) مع تواصل العمل من أجل تمكين النساء من شهادة في الخبرة.
من جهة أخرى، تسعى وزارة التكوين المهني والتشغيل إلى المزيد من تحفيز الفتيات على الإقبال على التدريب عبر تثمين المهن والتعريف بآفاق الاختصاصات وفرص التكوين واستقطاب المنقطعات عن الدراسة في سن مبكرة وتعميم “المهارات اللينة والحياتية” تدريجيّا في مختلف المستويات والبرامج التكوينية. وتتكون المنظومة الوطنية للتكوين المهني الأساسي والمستمر من العديد من المتدخلين من القطاعين الحكومي والخاص، ويمثل التدريب المهني مكونا أساسيا من مكونات المنظومة الوطنية لإعداد الموارد البشرية ورافدا من روافد التنمية.
ويهدف التدريب المهني إلى تأهيل طالبي التكوين وإلى تنمية قدراتهم وتمكين المؤسسة الاقتصادية من تحسن أسباب إنتاجيتها وإكساب المتدربين المعارف والكفايات والمهارات اللازمة لممارسة حرفة أو مهنة تستوجب تأهيلا، وإلى تحقيق ملاءمة تلك المعارف والمهارات مع التحولات الاقتصادية والتكنولوجية وتطور المهن.
وخلال المنتدى الدّولي حول “أهداف التّنمية المستدامة من منظور النّوع الاجتماعي المنعقد في تونس خلال 2020 تحت عنوان “العمل حول إدماج النّساء والتّنمية ومكافحة الهشاشة”، بيّن وزير التكوين المهني والتشغيل فتحي بالحاج أن الفتيات يمثلن حوالي 35 في المئة من المسجلين بالتكوين المهني الأساسي، و30 في المئة من المنتفعين بمنظومة المدرسة المفتوحة للشغالين و50 في المئة من المنتفعين بالتكوين المستمر.
وأشار بالحاج إلى أن الوزارة تعمل على ترسيخ مقاربة النوع الاجتماعي في كل برامجها، إلى جانب العمل على إدراج مقاربة المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين وبين مختلف فئات المجتمع ضمن ميزانية الوزارة، وذلك انطلاقا من منظومة التصرف في الميزانية حسب الأهداف.
◙ التدريب المهني يصبح آليا ووجوبيا بالنسبة للنساء اللاتي ليست لديهن شهائد جامعية لتأمين انتفاعهن ببرامج التمكين الاقتصادي
وفي مداخلته، دعا بالحاج إلى دعم جهود الدولة وكل الأطراف المتدخلة والشركاء للعمل على تغيير “الصورة النمطية للمرأة”، والحد من كل مظاهر العنف والتمييز الاقتصادي والمعنوي والمادي وترسيخ ثقافة المساواة لدى الناشئة لضمان مجتمع عادل ومناهض لكل أشكال العنف والتمييز بين مختلف مكوناته.
وبيّن بالحاج أنّ المسألة الحقوقية للمرأة ليست بالأمر الغريب على الدّولة التونسيّة فقد مثّل هذا الاهتمام محور إشعاع تاريخي داخلي وخارجي، وقد وقّعت تونس على أغلبية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق النساء والمساواة وإدماج مقاربة النوع الاجتماعي.
وأكّد أنّ المساواة في التعليم والعمل والتكوين والتشغيل والتمكين الاقتصادي للمرأة هو حق دستوري وهدف من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لسنة 2030، خاصة في ما يتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز النمو الاقتصادي الدائم والمشترك والمستدام وتوفير العمل اللائق للجميع. وقد بيّنت الدّراسات الدوليّة أن تحقيق المساواة بين المرأة والرجل وخاصة التمكين الاقتصادي للمرأة يرجع بالفائدة على الاقتصاد ويؤدي إلى تحسين مستوى العيش لكافة العائلة والمحيط المباشر للمرأة.
وأكّد الوزير أنّ وزارة التكوين المهني والتشغيل عملت من خلال منظومة التكوين المهني ودعم التشغيلية على تحقيق الأهداف ذات العلاقة بتعزيز مساهمة المرأة في الحياة النشيطة ونبذ كل أشكال التمييز بين المرأة والرجل ومناهضة العنف بمختلف أنواعه ودعم التمكين الاقتصادي للمرأة.
كما صرّح السيد فتحي بالحاج بأنّه وبالرغم من النجاحات المسجلة في مجال حقوق المرأة وفي التعليم، فإنّ مساهمة المرأة في الحياة النشيطة بقيت دون المأمول، حيث تقدر نسبة مشاركتها في سوق الشغل في حدود 28 في المئة، وتعاني المرأة من نسبة بطالة أعلى بكثير من بطالة الرجال (22.2 في المئة مقابل 12.4 في المئة)، خاصة من بين حاملي الشهادات حيث تناهز ضعف نسبة بطالة الرجال (38.4 في المئة مقابل 19.9 في المئة)، وتتفاقم نسب بطالة النساء من بين حاملي الشهادات في الوسط الريفي مقارنة مع تلك من الوسط الحضري.
وفي إطار بلورة الإستراتيجية الوطنية للتشغيل التي تنجز في إطار تفاعلي وتشاركي مع الأطراف الاجتماعية، تولت وزارة التكوين المهني والتشغيل إدراج مقاربة النوع الاجتماعي بدعم من مكتب العمل الدولي ومكتب الأمم المتحدة للمرأة بهدف تشخيص الصعوبات والعوائق الخصوصية أمام المرأة في مجال التشغيل وتقديم مقترحات عملية للنهوض بدور المرأة اقتصاديا واجتماعيا.