تونس تدق ناقوس خطر تفشي التحرش بالتلاميذ

كشف بحث ميداني أجرته وزارة التربية التونسية عن وجود ما يزيد عن 80 حالة تحرش جنسي بتلاميذ سجلت في مدة تقل عن ستة أشهر. وهو رقم يراه تونسيون مفزعا خصوصا أنه ورد عقب اعتداءات جنسية ارتكبها معلّم بحق عشرين تلميذا، وبعد قضية مدرسة الرقاب القرآنية التي ارتكبت فيها شتى أنواع الاعتداءات على الأطفال.
تونس - أصدرت وزارة التربية في تونس بلاغا تقول فيه إن البحث الميداني الذي أجرته حول حالات التحرش الجنسي بالتلاميذ خلال الفترة المتراوحة بين 1 أكتوبر 2018 و18 مارس 2019، كشف عن وجود 87 حالة شبهة تحرش بمختلف أنواعها.
وقال البلاغ إن الوزارة اتخذت الإجراءات المستوجبة ضد الذين ثبتت إدانتهم، وبناء على ذلك سلّطت عقوبة العزل على 23 شخصا والرفت المؤقت على 21 شخصا آخر، بالإضافة إلى العقوبات القضائية.
ودعت الوزارة الأولياء والمربين وكل الفاعلين في المنظومة التربوية إلى معاضدة جهودها في “التصدي لكل من تسول له نفسه الاعتداء على أبنائنا التلاميذ”.
وأشارت إلى أن البحث الميداني يأتي في إطار متابعتها للقضية التي أثارت استنكار عموم المجتمع التونسي حول جريمة التحرش الجنسي التي كانت ضحيتها مجموعة من التلاميذ في محافظة صفاقس.
وأكد وزير التربية حاتم بن سالم، أنّ الوزارة تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة، على إدراج مادة التربية الجنسيّة والصحية بالمدارس الابتدائية والإعدادية من أجل نشر التوعية والتحسيس بمخاطر هذه الاعتداءات على الأطفال عموما وعلى التلاميذ خصوصا داخل الحرم المدرسي وعلى يد “جناة” يمثلون في الأصل مربين وحامين للتلميذ سواء من المعلمين أو غيرهم من أفراد الطواقم التربوية، وذلك بهدف الحدّ من ظاهرة التحرش والاعتداءات التي تطال التلاميذ.
ويأتي توجه وزارة التربية نحو إقرار تدريس مادة التربية الجنسية في المدارس التونسية استجابة لدعوات من منظمات المجتمع المدني ومن خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع ومن قبل بعض السياسيين.
وتعالت الأصوات المنادية بإدراج التربية الجنسية كمادة أساسية في برامج التعليم التونسي إثر فضيحة المدرسة القرآنية بالرقاب ووقوع عدد من الأطفال فيها تحت طائلة الاستغلال الجنسي والاغتصاب والتي تلتها العديد من الأحداث المتعلقة بالاعتداء على الأطفال وآخرها كانت قضية المعلم المتحرش بعدد هائل من التلاميذ.
وكان خبراء تونسيون وأجانب ومختصون في مجالي التربية وحقوق الإنسان وفي علم الاجتماع وعلم النفس، قد دعوا منذ فترة إلى إدراج التربية الجنسية الشاملة ضمن البرامج التعليمية، وشددوا على أن هذه الخطوة يمكن أن تمكن الشباب والمراهقين من تفادي السلوكيات المحفوفة بالمخاطر والأمراض المنقولة جنسيا، معتبرين أنه رغم الجهود المبذولة في هذا المجال تبقى المقاربات المتبعة غير مجدية ويظل هذا الملف مصنفا ضمن المواضيع المحظورة.
واعتبرت ريم فيالة، ممثلة الصندوق الأممي للسكان في تونس، أن تعزيز التربية الجنسية في صفوف الشباب والمراهقين يشكل مصدر رفاه للفرد ووسيلة لضمان حقه في صحة جيدة وحياة سليمة.

ومن جانبها دعت النائبة بمجلس نواب الشعب بشرى بلحاج حميدة، في حوار مع وسائل إعلام محلية إلى ضرورة إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم، مشيرة إلى أن تونس تأخرت في هذا المجال. وعزت بلحاج حميدة طلبها إلى أن التربية الجنسية تمكن الشاب من حماية نفسه وجسده في مواجهة كل من يغرّر به أو يحاول تعنيفه أو اغتصابه.
وارتبطت حادثة تحرش المعلم بتلاميذه في محافظة صفاقس بالدروس الخصوصية حيث أكّد المتحدث باسم محاكم صفاقس مراد التركي، أن الأبحاث الأولية أفادت بأن المعلم المتهم بالاعتداء بفعل الفاحشة والتحرش الجنسي، ارتكب جرائمه داخل الحرم المدرسي وفي منزله وفي بعض الأحيان داخل سيارته.
وقالت وزارة التربية إنها على خلفية ذلك قد أسدت تعليماتها لمصالحها الجهوية بتفعيل إجراءات الإيقاف الفوري عن العمل ضد كل من يثبت تورطه في تقديم دروس خصوصية خارج الفضاء التربوي.
وبحسب الوزارة، فإن القرار يتنزل في إطار مكافحة الدروس الخصوصية التي باتت ظاهرة اجتماعية تشوبها في بعض الحالات شبهات وتجاوزات قانونية بلغت حد انتهاك الحرمة الجسدية للتلاميذ وكرامتهم. ودعت الأولياء إلى المزيد من اليقظة بالمخاطر التي تحف بأبنائهم لدى متابعتهم لهذا الصنف من الدروس العشوائية.
واستنكرت الجمعية التونسية لأولياء والتلاميذ حادثة الاعتداء بالفاحشة والتحرش الجنسي على 20 تلميذا من قبل معلمهم بإحدى المدارس الابتدائية بصفاقس، واعتبرتها ”جريمة مشينة ومنافية للأخلاق، ولا تمثل إلا الجاني وحده ولا يمكن اعتبارها ظاهرة اجتماعية”.
وأكدت الدور الأساسي للأسر في الوقاية من مثل هذه المخاطر، داعية “الأولياء إلى متابعة تصرفات أبنائهم وبناتهم بصفة متواصلة ومركزة داخل البيت وخارجه، من خلال الحرص على التفطن لكل السلوكيات والاضطرابات غير العادية عند الأبناء والوقوف على أسبابها، وعدم إعطاء الثقة للغرباء عند تعاملهم مع الأبناء دون التأكد المسبق من سلامة نواياهم، إضافة إلى تربيتهم على كيفية حماية أنفسهم ضد أي سلوك له علاقة بالجسد.”
وأعلن إبراهيم بن عمار، القاضي المكلف بمأمورية بديوان وزير العدل الثلاثاء، أن الوزارة شرعت في تنقيح مجلة حماية الطفولة وإدراج باب يتضمن “الطفل الضحية”، مشيرا إلى أن المشروع سيكون جاهزا خلال الأيام القليلة القادمة لتتم إحالته على مجلس الوزراء للمصادقة عليه.
وبيّن خلال حلقة نقاش حول “الطفولة المهددة في تونس، بين التشريع والواقع” أن الطفل الضحية هو الطفل الذي تعرض بصفة مباشرة إلى جريمة مسلطة عليه ويكون متضررا فيها، موضحا أن المشرع التونسي لم يستعمل مصطلح الطفل الضحية ولم يضمّنه في النصوص التشريعية، إذ تحدثت مجلة حماية الطفولة عن الطفل المهدد والجانح ولم تتضمن تعريفا أو تخصص بابا للطفل الضحية كما هو منصوص ومعمول به في المعايير الدولية.